بعد توفر خدمات الإنترنت، ارتفعت معها نسبة انتشار المعلومات وأصبح الوصول لها أسهل، ولكن هذا الانتشار الكبير لها جعل قيمتها المعنوية والمادية رخيصة، بسبب التُخمة المعلوماتية التي أصيب بها العالم. وهذا بدوره رفع قيمة المعرفة واكتسبت قيمة مضافة لنُدرتها وتغييرها المستمر، فالمعلومة تكتسب شكلًا واحدًا مهما تغيرت اللغة المستخدمة فيها، لكن المعرفة تتغير وتتجدد لذات المعلومات بسبب العقل الذي استنتج وحلل وابتكر هذه المعرفة.

Infosense: Turning Data and Information into Knowledge في كتابه Keith Devlin

تحدث عن أهمية تحويل البيانات والمعلومات إلى معرفة، لأنها الطريقة الوحيدة للعيش في عصر المعرفة، فأصبحنا نعيش في عالم متقدم، المعرفة وصناعتها هي السبيل الوحيد للعيش فيه. والمفكر المصري الراحل عبدالوهاب المسيري في كتابه رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر كرر كثيراً تذمّره مما سماه الذئب المعلوماتي الهيجلي، ومختصر فكرته هو غوص الإنسان في بحر المعلومات حتى تبدأ تقوده المعلومات لا يقودها هو بفكره وتحويلها وصناعتها لمعرفة جديدة.

فهد الأحمدي في مقابلة تلفزيونية له مع تركي الدخيل قبل عدة سنوات، استوقفني حديثه عندما صحح للدخيل أنه كاتب معرفي وليس كاتب معلوماتي، وهو يشير للمعنى الذي ذكرته في بداية المقال، فالأحمدي الذي بدأ "حول العالم" 17 أغسطس 1991م وتجاوز عُمرها الآن أكثر من 25 سنة بزاوية يومية لا تتوقف سوى الجمعة من كل أسبوع. أخذ الطريق الصعب بالاستثمار بالمعرفة وصناعتها ولم يسيطر عليه الذئب الهيجلي المعلوماتي الذي كان يمقته المسيري، وفي رصد قديم لي عن ما كتبه الأحمدي خرجت بعدة أرقام مثيرة فهناك أكثر من 8455 مقالاً كتبها الأحمدي حتى الآن، ولو احتسبنا متوسط المقال اليومي 480 كلمة فهذا يعني أنه كتب 4 ملايين كلمة، وهو ما يوازي كتابة 50 رسالة دكتوراه جامعية حسب العرف في الجامعات البريطانية. ورسالة الدكتوراه ببساطة عبارة عن سؤال بحثي يُفني الطالب الوقت المحدد له بالإجابة عليه والبحث بالمصادر والأرشيف والاستبيانات وأدوات البحث العلمي للإجابة عليه وهو رصد معرفي بهذه الطريقة لأنه يصنع لك معرفة جديدة لم توجد سابقا وليس "رصاً" معلوماتياً بحتاً. وهو ما يتطابق كمفهوم مع الطريقة المعرفية التي ينتهجها الأحمدي في كتابة مقالاته. يضاف لذلك تأثير المقالات في وعي المجتمع وسرعة انتشارها ونسبة قراءتها مقارنة مع الرسائل الجامعية التي بسبب تعقيدها العلمي تبقى محدودة الانتشار غالباً.

فاستثمروا أنفسكم بصناعة المحتوى، وأدمنوا صناعة المعرفة من بحر المعلومات التي بين أيديكم، لأن المعرفة وحدها من سيمنحكم الميزة والفارق.. وأخيراً كم تتوقع عدد المراجع التي استخدمها الأحمدي لكتابة 50 رسالة دكتوراه؟