دلني عليه مشكورا الزميل الصحفي والمترجم الأردني تحسين الخطيب, فوجدت شاعراً وقاصاً وروائياً وفوتوغرافيّا وكاتباً سياسيّاً. يقول أتمنى لو حظيت بأكثر من مجرد حياة واحدة لأحظى بفرصة أخرى في الرسم. الشاعر الفيتنامي لِنْ دِنْ ولد في سايغون في فيتنام عام 1963م, ثم رحل إلى الولايات المتحدة واستقر هناك. لم يترجم له الكثير إلى العربية -بالرغم من كثرة أعماله- سوى بعض النصوص اليسيرة مثل نص "حامل الكتب", الذي ترجمه السعودي راضي النماصي.. كان لنا مع لِنْ دِنْ الحوار التالي:

  • في البدء: كيف تحب أن تقدم نفسك؟ هل أنت كاتب أمريكي أم فيتنامي؟

تمنيت حياة أخرى لأكون رساماً

  • بما أنني أكتب باللغتين الإنجليزية والفيتناميه, فيمكنني القول إنني كاتب أميركي وفيتنامي في آن. بعد أن نشرت عشرة كتب بالإنجليزية, فبذلك أنا في المقام الأول مؤلف أميركي. وبوصفي من أقلية عرقية, يجب أن أكون حذراً من عدم التهميش. كتابي الأخير تحدثت فيه بوصفي أميركياً, لجميع الأميركان.

  • عملت على أجناس فنية مختلفة, قمت بعدد من الرسومات والصور الفوتوغرافية, وكتبت الشعر والسرد, فضلاً عن المقالات السياسية والترجمة. كيف تتعامل مع كل هذه الأجناس الفنية المختلفة؟ وأي منها هو الجنس المفضل لديك؟

  • إنني أتمنى لو حظيت بأكثر من حياة واحدة, حينها سيكون لدي فرصة أخرى في الرسم. استهلكت نفسي حين كنت شابا في الشعر, على الرغم من أنني ما زلت أؤمن به, إنه أكثر شجنا وحزنا وعاطفة. لدي مجموعة شعرية جديدة بعنوان "A Mere Rica", الكلمة التي تعني إلى الأم الغنية, وبصدد الانتهاء من رواية بعنوان "تتبع البخار". وباستثناء كتابتي المنزلية فإنني مصور فوتوغرافي دائماً. عدت للتو من رحلة استغرقت ثمانية أيام في مكسيكو سيتي, للمراقبة والتصوير. يجعلني التصوير في الشوارع أكثر مغامرة اجتماعية وهو ترياق لعزلة الكتابة. إنني أعمل وفق دافع داخلي لا يقاوم, والجنس الفني المفضل لدي هو ما أنا عليه الآن.

  • ترجمت العديد من الأعمال (لك وللآخرين), كيف تختلف العملية بين ترجمة عمل شخص آخر وترجمة عملك الخاص؟

  • نشرت مجموعة مختارات من القصص الفيتنامية الجديدة, ومجموعة أخرى شعرية. ترجمت أيضًا لعدد من الكتّاب العالميين إلى الفيتنامية. مجموعتي الشعرية الوحيدة بالفيتنامية تضمنت أعمالاً كتبت أصلاً باللغة الفيتنامية, فضلاً عن اختلافها عن قصائدي الإنجليزية. أما في الترجمة لأشخاص آخرين, فإنني صارم للغاية, وأعمل برغبة وضمير وحس ذاتي رقيق. بالإضافة إلى أنني كمترجم كنت واعياً بالعديد من مزالق الترجمة. على عكس الكاتب, يستطيع المترجم أن يتلاشى عدم الكفاءة في لغتين!.

قرأت البردوني ودرويش وفوزية أبو خالد

  • هلّا حدثتنا عن الأدب الفيتنامي وأبرز قضاياه؟

  • الأدب الفيتنامي متنوع جداً, لكن إذا كان على المرء أن يعمم, يمكن القول أن ثمة وعي عميق بالتاريخ والجوانب الأكثر مأساوية للحياة. فالولادة في بلد صغير تهدده دائماً قوى خارجية تشكل سيكولوجية جماعية. يعرف الفيتناميون جيداً أن الحياة سلسلة من التنازلات المريرة في كثير من الأحيان. في هانوي, قبل عشرين عاماً, كثيراً ما سمعت:"Biết rồi, khổ lắm, nói mãi!", إنها من رواية صدرت عام 1936م لفو ترونغ فونغ, إنها -بترجمة فضفاضة- تعني "إنني أعرف بالفعل, أعاني كثيراً, أتحدث كثيرًا". القدرة الفيتنامية على الضحك في أي حالة تقريباً يمكنها أن تربك الأجانب.

  • عملت في عدد من المهن وانتقلت في عدد من البلدان, ما أثر كل ذلك على تجربتك الأدبية؟

  • عشت كرجل بالغ في الولايات المتحدة وفيتنام وإيطاليا وإنكلترا وألمانيا وزرت العديد من البلدان. تطور كل مجتمع من مجموعة فريدة من المعتقدات والخبرات. في الغرب, فكرة أن الحدود غير مادية قد أصابت العديد من العقول, خصوصًا تلك التي لم تصقلها بشكل نسبي الخبرات والكتب والرحلات, لكن هذا الجنون سوف يمر قريباً. عبور العديد من الحدود, أنا أعلم أنها مقدسة, وقد أريقت دماء كثيرة فوق كل شبر منها.

  • هل ثمة أثر ما لحرب فيتنام على تجربتك في الكتابة؟

  • علمتني حرب فيتنام أن التاريخ يجب أن يكون نضالي, وأن الجغرافيا عبارة عن مصير, وأن الشجاعة مضاعة في الغالب, وأن الجبن والخيانة غالباً ما تتم مكافأتهما, وأن ولادة طفل قد تكون القسوة المطلقة وأن العنف الجماعي هو رياضة المتفرج.

  • أنت كاتب سياسي ولديك العديد من المقالات السياسية, ألا تعتقد أن السياسة قد تفسد الأدب؟

  • بالطبع لا. إنني أعتقد اعتقاداً جازماً أن الكتّاب يجب أن يكونوا مثقفين شعبيين, ومن المؤسف أنهم أصبحوا مهمشين على نحو متزايد في كل المجتمعات. وآلت ويتمان وجورج أورويل وتشيسلاف ميلوش وميلان كونديرا ومحمود درويش وميشيل هولبيك..إلخ كانوا عظماء في المقام الأول لأنهم كانوا كتّابا سياسيين. ليست المسألة الآن أن تكون محقا سياسيا في كل قضية, إنما الكاتب يجب أن يتصدى لأخطر الأزمات التي يعاني منها مجتمعه. إذا لم يقم بذلك الكاتب, فمن سيقوم به إذن؟.

  • أنت كاتب متمرد وغير ملتزم غالباً بالبروتوكولات التي يحرص عليها زملاؤك الأدباء, لماذا؟

  • يمكنني أن أصرح برأيي دون خوف, إنني أنشر جميع مقالاتي مجانا, واعتمد على المساهمات النقدية من القراء العاديين, إنني لا أكتب لزملائي الكتّاب, إنما لسائقي سيارات الأجرة وربات البيوت والسقاة والسبّاكين.

كلما أصبحت أفضل ككاتب وكمفكر, فإن عدداً أقل من الأماكن السائدة متاحة لي, ولكن قرائي قد زادوا بالفعل, وذلك بفضل وسائل الإعلام البديلة على الإنترنت.

  • كنت ترمز في إحدى قصصك إلى أن الكتب تحمي صاحبها من تدمير الحروب, كيف يحدث ذلك؟

  • تصورت في هذه القصة أن الأمي الذي يحمل العديد من الكتب في جميع الأنحاء كرموز وطلاسم, فأنه قد نجى, بواسطة "ما لا يقل عن عشرة آلاف كتاب" لاتخاذه إياها مخبأ أثناء الحرب. ما بين سطور هذه النكتة هو اعترافي أن الكلمات يمكن أن تكرمنا, إن لم تنقذنا بالكامل, حتى في أكثر التجارب المروعة. على الرغم من أننا في الغالب عاجزون عن تغيير الأحداث أو حتى تغيير مصيرنا الخاص الضئيل, يمكننا على الأقل أن نبلغ, ولو بشكل عابر, نضالنا ومخاوفنا.

  • ماذا تعرف عن الأدب العربي؟

  • قرأت فقط محمود درويش وأدونيس وعاشور الطويبي وفوزية أبو خالد وعبدالله البردوني وقلة آخرين. اكتشفت هؤلاء الشعراء في المجلات والمختارات الأدبية الأميركية. إنه أمر لا يغتفر أنني لا أعرف سوى القليل عن الأدب العربي. إنني بالتأكيد أود أن أعرف العالم العربي بشكل أفضل بكثير. أنا لم أزر بعد بلداً عربياً للأسف.

  • أخيراً, ما الذي تود قوله لقرائك العرب؟

  • إنني ممتن جداً, لأن ثمة أي نوع من الاهتمام بي, لذلك شكراً لك, آمل في يوم من الأيام أن أزور السعودية وأقابل شعبها.

لِنْ دِنْ
عبدالله البردوني
محمود درويش
فوزية أبو خالد