تزايدت المطالب المجتمعية بملاحقة كل من يسيء بألفاظ لا تليق، أو عبارات نابية خارجة عن حدود الذوق العام، والعرف الاجتماعي، والقيم الدينية والوطنية، وإحالتهم للجهات ذات الاختصاص، وهي دعوة حضارية إنسانية واعية لرسم حدود العلاقة مع الآخر، والاتصال التفاعلي معه، والحفاظ على الكرامة سبيلاً عن تجاوزات ردود الفعل.
ولكن السؤال أين النظام الذي يكفل تطبيق تلك الدعوة بعيداً عن التداخل مع نظامي الجرائم الجزائية والجرائم المعلوماتية، واللجان الابتدائية والاستئنافية لنظام المطبوعات والنشر ولائحة النشر الإلكتروني؛ في حال كان التجاوز عبر وسيلة إعلام بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي كما حصل مؤخراً مع المغرد اليمني علي الربيعي؟.
النظام لا يزال منظوراً في مجلس الشورى منذ أكثر من عام تحت مسمى "مشروع نظام مكافحة التمييز وبث الكراهية"، ولم يتم التصويت عليه بعد، رغم أهميته في هذا التوقيت الذي تزايدت فيه حالات التجاوز اللفظي بكلمات جارحة وصادمة ومخجلة في حق آخرين، وتمادت معه ردود الفعل إلى حد الانتقام، وانتصار الذات، ووصلنا إلى قضايا بالجملة في المحاكم للفصل في خصومة بلا نظام واضح.
مسودة مشروع النظام يجرّم أربعة جوانب رئيسة، ممثلة في (التمييز) بين الأفراد والجماعات بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو الطائفة، و(التعصب) القبلي والمناطقي والمذهبي، و(التصنيفات) الفكرية والسياسية، و(استغلال) المساجد ووسائل الإعلام بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي لبث خطاب الكراهية.
ومحاصرة تلك الجرائم أصبحت من أهم مرتكزات المجتمع المتحضّر الذي تسير عليه رؤية المملكة الطموحة، واستثماراتها المحلية المنفتحة على العالم، وبدأت إرهاصات الرؤية الأولى بإعلان المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف، مدعوماً بخطاب سياسي يحمل مضامين الحزم في المواجهة لتعزيز قيم الانفتاح والوسطية.
لقد كسبنا خلال سنوات معدودة جداً وعياً شعبياً نراهن عليه، ونحتفي به، والواقع شاهد على أن خطاب الكراهية أصبح منبوذاً من المجتمع، وملاحقاً من عدة جهات رسمية، ولكن لا يزال هناك قلّة تناور في هامش محدود من استغلال الأحداث والمواقف والتوجهات لتمرير خطابها المأفون؛ بحثاً عن شهرة وتسجيل حضور من دون مراعاة مسؤولية الكلمة وضرورة صيانتها من العبث.
هذا الوعي لا يكفي من دون إقرار "مشروع نظام مكافحة التمييز وبث الكراهية"، ومنح النيابة العامة مسؤولية تطبيقه لتعزيز القيم الدينية والوطنية، ومناهضة التطرف، والحفاظ على الأمن الوطني، وحماية النسيج الاجتماعي من إثارة الفتن، إلى جانب منع التداخل مع جهات أخرى تعالج ذات المضمون لكن مع اختلاف الوسيلة، وبالتالي إسناد أي قضية تثير التمييز والكراهية إلى النيابة العامة يضمن سلامة الإجراء، وصحة الدعوى، وتطبيق العقوبة.
التعليقات