افتح تقويم أم القرى وانظر إلى أوقات الصلاة على مدار السنة. هذه المعلومات هي نتيجة حسابات فيزيائية دقيقة.. أصبح المجتمع يثق بها لحد كبير.

ولكن لماذا لا يوجد تقويم للطقس يخبرك عن تفاصيل الجو لكل أيام السنة؟ هل السبب هو أن العلماء لم يلتفتوا لهذه القضية؟ أو أن الجهات المعنية في العالم لا تهتم بمعرفة أحوال الطقس يوما بيوم؟

التنبؤ بالطقس هو علم يجذب الكثير من الباحثين، ولا يوجد تقصير بحثي في هذا المجال (عالميا). أما الحكومات فتهمها معرفة ظروف الطقس يوما بيوم للحفاظ على أرواح المواطنين في حال حصول كوارث أو تغيرات تمنع حركة المواصلات في السماء والأرض والبحر.

إن عدم القدرة على التنبؤ -بدقة عالية- بأحوال الطقس لمدة تزيد على بضعة أيام هو أمر يعود لأسباب علمية.. فالطقس يدخل في نطاق ما يعرف في الفيزياء بـ"علم الفوضى".

في مثال تقويم أم القرى، فإن حساب مواعيد الصلاة تحكمه عوامل معروفة منها مكان الأرض بالنسبة للشمس، ودوران الأرض حول محورها، وارتفاع المكان عن سطح البحر. ولأن حركة الأرض حول الشمس وحول نفسها يعد نظاما غير معقد، فإنه يمكن التنبؤ بمواعيد الصلاة بدقة عالية وعلى مدار سنوات طالما أن نظام الأرض-الشمس لم يتعرض لظروف استثنائية.

تعالوا إلى الطقس.. فهو يعتمد على عوامل معروفة هي الأخرى وتخضع للقوانين الفيزيائية نفسها، ولكنها أكثر تعقيدا من نظام الأرض-الشمس بكثير. فمناخ الأرض عموما والطقس في كل جزء من الأرض خصوصا، هو تفاعل فيزيائي لعدد لا يحصى من جزيئات الهواء التي تتداخل ببعضها ببعض، وتختلف في خصائصها الفيزيائية كدرجة الحرارة والسرعة والاتجاه والكثافة والضغط وغيرها. فطقس كل منطقة وفي كل لحظة هو النتيجة النهائية لتلك التفاعلات.

التنبؤ بالطقس هو مهمة مكلفة.. إذ يتطلب نماذج فيزيائية معقدة، تتم تغذيتها إلى كمبيوترات فائقة لتقوم بمليارات العلميات الحسابية. وهذه النماذج تعتمد على مدخلات تحتاج إلى التحديث مرارا في اليوم الواحد. ودقة التنبؤات تتناقص تناقصا ملحوظا مع مرور الأيام.

مربط الفرس هنا هو أن أي تغيرات -مهما كانت صغيرة- في خصائص الغلاف الجوي؛ تؤدي إلى تغيرات في الطقس. وهذه سمة الأنظمة "الفوضوية"، فهي حساسة بشكل مفرط لأي تغيير. وتسمى تلك الحساسية المفرطة بأثر الفراشة.. وهو يوصف -مبالغةً- بمثال شهير يقول: لو أن فراشة رفرفت بجناحها في ساحل يطل على محيط؛ فإن الذبذبة في جزيئات الهواء قد تتحول إلى إعصار في الساحل الموجود على الطرف الآخر من المحيط.