الهولندي يان ياب دي راوتر أو "عاشق العربية" كما يعرف أو كما يحب أن يعرّف بنفسه, أستاذ جامعي بجامعة تلبورغ الهولندية بقسم الدراسات الإسلامية والشرقية, مهتم باللغة العربية ومهتم أيضا بانتشار الإسلام في أوربا له عدد من المؤلفات منها "جدل الإسلام" و"تطور اللسانيات بين الشبان المغاربة".أوضح خلال هذا الحوار أن ثمة ارتياب تاريخي وقديم بين العالم العربي وأوربا وأن الهجمات الإرهابية التي تنفذ باسم الإسلام في أوربا تساهم في تزايد هذا الارتياب وضعف الثقة بينهما.

في البدء, كيف تحب أن تقدم نفسك إلى القارئ العربي؟

أود أن أقدم نفسي للقارئ العربي الجليل كشخص من الغرب مندهش بجمال اللغة العربية. منذ سني الصغيرة سلبت لبي تلك اللغات التي لم أكن أستطيع قراءة حروفها، كاللغة الإغريقية على سبيل المثال، وهي التي درستها فيما بعد خلال أيام دراستي في الثانوية. إلا أن اللغة العربية ظلت تحديا أكبر. فاكتشفت أن تعلًّم الأبجدية العربية أمر سهل نسبيا على نقيض تعلَّم نحوها وخصوصا قاعدة مصطلحاتها اللذين بقيا تحديا كبيرا،ورغم ذلك وإلى يومنا هذا فأنا أستمتع بقراءة العربية والتكلم بها والاستماع لها لأنها هي شغفي المهني الأول والأخير.

بم يختلف الاستعراب الحالي عن الاستشراق قديما بكل ما صاحب هذا الأخير من شبهات لا تخفى عليك؟

هناك نقَّاد ومعلقون من العالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص يدعون أنه لابد من النظر للخبراء في قضايا الإسلام والمستعربين كمستشرقين من القرن التاسع عشر، وهذا الادعاء لا أوافق عليه. صحيح أن بعض الخبراء في دراسات العربية والإسلامية يعملون حاليا كمستشاري حكومات للدول الغربية في مجال الإسلام كما قد فعل مستشرقو القرن التاسع عشر، لكن أغلبية الأساتذة الغربيين يحاولون القيام بالبحث عن قضايا العالم العربي والإسلامي من وجهة النظر العلمية وبكل موضوعية. باعتقادي المسألة أكثر تعقيدا من ذلك: هناك ارتياب بين الغرب والعالم العربي والإسلامي ينعكس في وقتنا الحاضر على السياسة، الصحافة ووسائل الاعلام وطبعا في بعض الدائرات الدراسية الغربية أيضا. لذلك يبقى هذا الارتياب أكبر تحدٍ ستواجهه الثقافتان في المستقبل القريب.

يوجد في هولندا تاريخ عريق للدراسات العربية والإسلامية، إذ تأسس فيها أحد أقدم كراسي اللغة العربية في أوروبا منذ أكثر من أربعمائة عام في جامعة ليدن، هل يمكن أن تحدثنا بشكل موجز عن تاريخ الدراسات العربية الإسلامية في هولندا ووضعها الراهن؟

إني أفتخر افتخارا شديدا لأني درست اللغة العربية والثقافة الإسلامية في بلد يدرس الدراسات الإسلامية باللغة العربية منذ أكثر من 400 سنة. أتذكر ذات يوم كنت أبحث عن مخطوط معين لأطروحتي في القاهرة حينما قال لي بائع الكتب إنه يجب علي الذهاب إلى مدينة ليدن في هولندا "حيث ستجد كل المخطوطات التي تريدها"مؤكدا للتراث العريق لبلادي في مجال الدراسات العربية والإسلامية.

ما هي أبرز الدوافع لدراسة العربية والإسلام في هولندا وأوربا عموما, وما هي أبرز الاهتمامات لدارسي العربية؟

من الصعب أن نقول لماذا يختار الطلاب الدراسات العربية أو الإسلامية في هولندا.هناك أناس لديهم اهتمامات أكاديمية عامة بالمواضيع وآخرون لديهم اهتمام شخصي بها لأنهم متزوجون من مسلمين.كما أن هناك أفرادا انخرطوا في دراسة الإسلام بعد أن أسلموا. برأيي ليس هناك دافع وحيد لدراسة هاته المواضيع،ربما على غرار الطلاب الآخرين الذين اختاروا دراسة اللغة الانجليزية أو الطب وغيرها من المواضيع لأسباب مختلفة.ما يبقى واضحا وضوح الشمس أن دراسة اللغة العربية مسألة في غاية الصعوبة والدليل على ذلك أن العديد من الطلاب يتخلون عنها بعد مدة. هناك تطور سلبي بهذا الصدد يتمثل في تحوّل العديد من أقسام اللغة العربية وثقافتها إلى أقسام الدراسات الإسلامية في الجامعات الهولندية منذ 15 سنة. أصبحت هذه الأقسام تولي المزيد من الاهتمام إلى الإسلام على حساب اللغة العربية، مما ساعد على ظهور الكثير من المتخصصين في مادة الإسلام الذين وللأسف لا يملكون إلا معرفة بسيطة عن اللغة العربية، الأمر الذي يؤسفني جدا.

الحضور الحالي للإسلام والمسلمين في أوروبا جعل الاهتمام بالعربية والإسلام يخرج عن نطاق الدراسات الاستعرابية والاستشراقية التقليدي إلى شرائح أكبر من المجتمع ووسائل الإعلام، هل يمكن أن تحدثنا عن بعض الجوانب المتعلقة بذلك في المجتمع الأوربي؟

أحد آثار الوجود الهائل للإسلام والمسلمين في أوروبا هو أنه ليست فقط أقسام الدراسات العربية والإسلامية في جامعاتنا وإنما هناك أيضا شُعب القانون، وعلوم الاجتماع والأنثروبولوجيا التي تدرس الإسلام. إن تقديم شُعب مختلفة لبرامج أكاديمية في موضوع العربية والإسلام يعد نعمة كبيرة وأمرا جيدا بالنسبة للتنوع الأكاديمي وللنقاش العام عن الإسلام والمسلمين لأنه أصبح من الممكن تسليط الضوء على القضايا المتعلقة بالإسلام من وجهات النظر عديدة.

بصفتك مهتما بالجاليات العربية والمسلمة في المجتمعات الغربية، ما هي برأيك أوضاع هذه الجاليات بشكل عام، وما هي أبرز المشكلات والتحديات التي تواجهها؟

في الماضي اشتغلت كثيرا في مجال البحث العلمي عن اللغات المستعملة في المغرب. ويجدر الذكر أن هذا البلد يعتبر استثنائيا في العالم العربي لأن سكانه لا يلفظون لهجات مختلفة من العربية فقط، بل اللغة الأمازيغية(البربرية) أيضا. إنه بلد يعترف دستوره باللغة العربية واللغة الأمازيغية (البربرية)، مما يجعله تحديا علميا حقيقيا لعلماء اللغويات مثلي. ثم، أقوم حاليا بالإشراف على أطروحة دكتوراه تتناول مواصفات اللغة العربية المستعملة في برنامج المسابقات الغنائية ذا فويس: أحلى صوت على قناة إم بي سي السعودية،حيث يشترك أعضاء لجنة التحكيم ومغنون ومقدمون وأقارب المغنين وكذلك الجمهور وكلهم ينحدرون من أقطار مختلفة في العالم العربي ويتكلمون بلهجاتهم المختلفة. إن البحث عن كيفية التفاعل بين كل المشتركين في البرنامج أمر مثير للاهتمام لأنه من خلال القيام بذلك سنتمكن من الاكتشاف إذا حصل نشوء نوع جديد من اللغة العربية أم لا. يتم تنفيذ هذا البحث في الوقت الحاضر ونأمل أن تتمكن طالبتي المصرية، التي تقوم بعمل عظيم، من مناقشة الدكتوراه في عام 2019.

حبّذا لو تحدثنا عن صورة الإسلام في الغرب عموما، وعن أثر الهجمات الإرهابية التي تحدث بين فترة وأخرى عليها؟

إن الحضور اللافت للمسلمين في القارة الأوروبية يشكل تحديا كبيرا للمسلمين والأوروبيين على حد سواء.وكما قلت في وقت سابق،هناك ارتياب تاريخي بين العالم العربي وأوروبا وهناك أيضا جدل منذ عصور بين الحضارتين في مسألة الدين الحقيقي: المسيحية أو الإسلام. ولقد وقعت اشتباكات ونزاعات بين الحضارتين متمثلة في الحملات الصليبية، والحكم الإسلامي في الأندلس أو الإمبراطورية العثمانية في البلقان. أفضت كل هذه الأحداث التاريخية إلى انعدام الثقة المتبادلة بين الحضارتين والذي بات أكثر إلحاحا من أي وقت مضى حل هذا الارتياب نظرا للعدد الكبير من المسلمين الذين يعيشون في الأراضي الأوروبية.في هذا السياق، الهجمات الإرهابية التي تُنفذ بانتظام في أوروبا باسم الإسلام لا تساعد في عملية بناء الثقة لأنه أصبحت تزداد مخاوف الناس تجاه الإسلام ولم يعودوا يستطيعون تمييز المسلم العادي من الإرهابي. السؤال الأساسي بالنسبة لأوروبا هو: هل ستحافظ على تسامحها الحالي أم ستستولي القوى الشعبوية على الحكم وتجبر المسلمين على مغادرة القارة قسرا؟ كان من المتوقع أن يكون عام 2017 عاما هاما بإجراء انتخابات في فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة، و أخيرا في ألمانيا وفي وقت لاحق من هذا العام.

ويسرني أن أرى أن القوى الشعبوية لم تفز بهذه الانتخابات وأنها رغم استقوائها لم تحقق انتصارات ملحوظة، وبالتالي يبدو أن القوى المعتدلة تزداد قوة في أوروبا وهذا ما تثبته واحدة من أهم نتائج الاقتراع: انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا لفرنسا. في مجمل القول، أصبحت الآن أكثر تفاؤلا بقليل حول مستقبل الإسلام في أوروبا.

ما هو حجم انتشار الإسلام في أوروبا؟ وما هي أبرز الدوافع برأيك لاعتناق الإسلام في أوربا؟ وما هي أهم الجهات التي تقوم برعاية ذلك؟

يوجد في الوقت الحاضر نحو 20 مليون مسلم يعيشون في أوروبا الغربية. كانوا يعيشون هناك منذ عقود وإلى حد الآن. وهناك أيضا عدد من الأوروبيين الذين اعتنقوا الإسلام.وفي معظم الحالات هؤلاء يعزون خياراتهم إلى كون الإسلام أقرب دين إلى طبيعة البشر،وبناء على ذلك قرروا تحولهم إلى هذا الدين. والبعض الآخر لديه بالطبع دوافع أكثر عملية بحكم تزوجهم من مسلمين ومسلمات.