زكاة العيد، وتُعرف أيضاً بفطرة العيد، أو الفطرة، من السنن العظيمة في الإسلام، جاءت فيها الكثير من النصوص والأحاديث الشريفة. وبها يُعرف المؤمن.
بالطبع، فقد كتبت العديد من الدراسات والكتب حول هذه الفطرة ومعانيها، والأثر الذي تتركه في حياة الأمة. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك أيضاً الكثير مما يُمكن للعلوم الدينية إضافته على هذا الصعيد.
نحن هنا بصدد مسألة يتطور مضمونها مع مرور الزمن، وما لم يتم تفصيله بالأمس، يُمكن تفصيله اليوم وغداً.
في الأصل، الفطرة إحدى فروع الزكاة، أو أحد اتجاهاتها، وهي بالتالي إحدى الفروض العبادية على مستوى الفرد.
وقد عرفت الزكاة بهذا الاسم لكونها تزكي النفس البشرية وتطهرها، وتجعل من الفرد إنساناً صالحاً في حياته الخاصة، كما على مستوى دوره في المجتمع والحياة العامة.
ومن هنا، فإن تزكية النفس لا تُعد خياراً، بل ضرورة لا غنى عنها للإنسان المسلم.
وقد حدد الإسلام الحنيف موارد صرف الزكاة وكيفيتها، وأحكامها العامة، وترك للأمة تطوير المضامين والاتجاهات بما يتناسب وتطورات العصر وتحولاته، ذلك أن الدين دين حياة لا جمود فيه.
هذه مسألة جوهرية للغاية، ولا تقل أهمية عن أصل الزكاة ذاتها.
هناك تحولات كبرى في حياة الأمة، والبشرية عامة، وهذه التحولات تفرض نوعاً من الاستجابة الخلاقة، القادرة على التأثير في الأحداث واتجاهاتها. ومن دون هذه الاستجابة تفقد الأمة بوصلتها، وتبدأ بالدوران حول نفسها، وتتحول العبادات إلى طقوس لا روح فيها، وبعد ذلك يتضخم الفقه على حساب الدين ذاته.
في عصرنا الراهن، تعددت كثيراً المسارات التي يُمكن أن تصرف فيها الزكاة عموماً، بما في ذلك الفطرة.
بداية، هذا العصر بات معولماً على نحو كبير، ولم تعد قضاياه منفصلة عن بعضها، بل يؤثر كل منها في الآخر بحكم الأمر الواقع.
وفي هذا العصر، لكونه معولماً أيضاً، أضحى تواصل الأمة مع محيطها العالمي سهلاً وميسوراً، وباتت، بالمنظور الأخلاقي، أمام نسق متعاظم من المسؤوليات، التي أشار إليها الدين في مواضع عديدة.
وفي عصر العولمة، تعددت آليات وأطر العمل الإنساني العالمي، التي تشكل كل منها رافعة لمواجهة نمط خاص من التحديات التي تواجه البشرية، وبات التواصل بينها ضرورة لا مفر منها لتكامل العمل الإنساني.
في هذا العصر، يُمكن رؤية أشكال متعاظمة من الأزمات والكوارث الإنسانية المختلفة، التي تفوق مقاربتها طاقة العمل الإنساني وإمكاناته على المستوى الدولي.
ما الذي يمكن عمله والحال هذه؟
المطلوب بداية منح الزكاة بُعدها المنسجم مع روح العصر وصيرورته، كما هو حال الدين ذاته. والمطلوب، بعد ذلك، التفاعل مع العالم وقضاياه وتطوراته، على النحو الذي يعين الفرد والمجتمع على تحديد سلم الأولوويات، وتجنب الدوران حول الذات.
اليوم، هناك عودة للمجاعات التي تفتك ببني الإنسان، وتهدد أصل وجوده، في دول مثل إثيوبيا وجنوب السودان.
وهناك، في الوقت ذاته، طوفان من اللاجئين، والمشردين والنازحين داخلياً، يبلغ تعدادهم على المستوى العالمي نحو 65 مليون نسمة، بما في ذلك اللاجئين الأفغان والسوريين والصوماليين.
وبالتوازي مع ذلك، هناك كوارث حلت بملايين البشر نتيجة الجفاف، وتغير المناخ، وعوامل مختلفة.
وفي هذا الوقت أيضاً، يشير دليل التنمية البشرية إلى أن الفقر المتقع لا زال متفشياً على نحو كبير في بقاع مختلفة من الكرة الأرضية.
وهناك حالات طارئة، أصابت أسراً آمنة، على حين غرة، بفعل حريق، أو انهيار مبنى، أو هزة أرضية، ففقدت منازلها وأضحت تفترش الأرض وتلتحف السماء، وبات الجميع معنياً بالوقوف إلى جانبها، بحكم الدين والأخلاق.
هذه القضايا جميعها تمثل مواطن مشروعة للزكاة، على النحو الذي أمر به الدين وحث عليه. ولابد للجميع من تحمل مسؤولياته بجدارة وأمانة.
1
أبو عبدالعزيز
2017-06-23 18:08:31عزيزي اسمه الفقر المدقع وليس المتقع
شكراً على المقال