أقام الفنان عبدالناصر غارم أول عرض منفرد له في الولايات المتحدة في معرض «وقفة».. ويشتمل المعرض على أحد عشر عملاً مميزاً من بينها منحوتات ولوحات من الطوابع ومقاطع فلمية تم العمل عليها أعقاب أحداث "11 سبتمبر 2001" المأساوية. حيث استوعب غارم فكرة "وقفة" في عمله لدراسة بعض الانقسامات العالمية التي تحدد مساره أحدهم في الحياة. فاستخدام الرمز الرقمي للوقفة وهو زوج من المستطيلات الصلبة التي تمثل مركز التجارة العالمي البرجان التوأم, لنستوقفه في هذا الحوار ويسلط الضوء على الكثير من الوقفات الهامة في مسيرته وفنه:
لقاؤك مع الجمهور على هامش فعاليات المعرض.. ما الرسالة التي كنت تود إيصالها؟
كنت أحاول تقديم خطاب ثقافي من خلال أعمالي يحتوي على أدوات وعدة معرفية معاصرة كونية تساعد على خلق أرضية مشتركة للحوار والتفاهم بالثقافات من خلال منظور إنساني بحت، ولأن وسائل الإعلام الأمريكية تلعب دوراً رئيسياً في خلق صورة ذهنية ونمطية عن المجتمع السعودي تحديداً والعالم العربي بشكل عام آثرت عرض بعض القضايا المعاصرة من خلال الأعمال المعروضة التي تمس الإنسانية بشكل عام مثل قضايا الإرهاب والفقر، وكنت حريصاً أيضاً على مناقشة واستجواب السياسات العالمية التي تهتم بالحدِّ من الفقر وترويض التنافس العِرقي والمذهبي من خلال التواصل مع الجمهور بشكل مباشر، مما أدى إلى فتح وفَتق آفاق جديدة لديهم كونهم في حاجة ماسة للتواصل مع مصدر معرفي آخر غير وسائل الإعلام لاكتشافهم عناصر ومفاهيم جديدة تم طرحها من خلال العمل الفني، فضلاً عن أن الأعمال المعاصرة التي تستخدم الوسائل الحديثة مثل الصور الفوتوغرافية وأعمال الفيديو والانستليشن (التجهيز في الفراغ) تمكنك كفنان من ضخ معلومات وصور تثري وتحفز عقل المتلقي وتتحول عملية التلقي لدى الجمهور إلي عملية إنتاج واستنتاج آراء جديدة وأسئلة جديدة لدى الجمهور.
كيف تلمست ردة فعل الجمهور تجاه معرضك من جهة.. والفن التشكيلي من جهة أخرى؟
كانت ردة فعل الجمهور مبهرة، وكان إحساس الاكتشاف والتحري يعم المعرض، وظلت الأسئلة تترى ولا تكاد تتوقف كون المعرض حفز الأجهزة المفاهيمية لدى الجمهور، مما قادهم لمراجعة قناعاتهم واكتشاف منظور جديد للقضايا التي تستولي على جزء من الوعي السائد في الفضاء العام لدى المجتمع الأميركي لدرجة تشكل معها لدى غالبية الجمهور بياناً وخطاباً بات يروج له في المعرض مع أصدقائه وعائلته، وهذا ما كنت أسعى إليه كونه جوهر الموضوع أو الغرض الرئيس من المعرض.
صنفت صحيفة لوس انجلس تايمز معرضك الشخصي (وقفة) ضمن أفضل مناسبات ثقافية شهدتها المقاطعة خلال أبريل الماضي.. ما الذي يمثلة لك ذلك؟
تصنيف المعرض يعني لي الكثير كونه صنفاً في مدينة كونية تزخر بالمناسبات الثقافية بكافة أنواعها سواء في الموسيقى أو المسرح والفنون بشكل عام، حيث تصدر معرض وقفة هذه المناسبات في مدينة تعد منارة للصورة والسينما، وصدور هذا التصنيف من قبل أهم الصحف يعني لي الكثير أو بالأحرى يعنى لنا بشكل عام الكثير، وهذا دليل احترام خطابك والترويج له من خلال أهم المنصات.
كأحد الفنانين المنتمين لجيل يسعي لنقل الفنون التشكيلية السعودية والخروج بها من أسر المحلية للعالمية ما السر وراء فشل فنانينا لبلوغ العالمية وأين تكمن العلة في الفنان أم الجهات الداعمة؟
أحسب أن الموضوع تراكمي، وما يقوم به فنانو هذا الجيل ذو علاقة مباشرة بمن سبقوهم، والمنصات العالمية ملك للجميع شريطة أن تكون الموضوعات التي يناقشها الفنان من خلال أعماله مشوقة وترتبط بمواضيع معاصرة مثل العولمة والهوية والحقوق المدنية والتشكيك في الواقع، وتتضح جدية الفنان وإلحاحه على طرح وابتكار أفكار يمكن إضافتها إلى مصطلح جديد في عالم الفن ظهر في خضم العقد الأخير من القرن العشرين وهو ما يعرف بالثقافة البصرية، لذلك يجب أن تكون أفكار الفنان منطلقة من عقله حتى يستطيع المتلقي التعاطي معها بالعقلية الجدية المتطورة.
ولا أخفى عليكم فهناك عقبات داخلية وأشخاص يدعون الوصاية على الفن ويملكون نظرة محنطة وتأويلات مبسترة ومعلبة، وعند مناقشتهم في أشياء لايفهمونها عن الفن يبدأون في إطلاق اتهامات بالتكفير والخيانة الوطنية كونهم استمروا لسنوات عديدة في مناصب وقنوات لها علاقة بالفن التشكيلي وكان دورهم هو التثبيط ومحاصرة كل نشاط جديد يبث الطاقة والحيوية في الجسد الاجتماعي ولكنهم حتماً سينصهرون مع الزمن ويتلاشون، ولذلك لا بد من تضافر الجهود حتى نختصر الزمن ونتغلب على العقبات التي تواجه المشهد الفني السعودي ونستغل فرصة هذا الحراك التشكيلي وكل الطاقات الفكرية الموجودة لدفع عجلة الفن التشكيلي.
كما يجب علي الفنانين والجمهور التفريق بين الفن والرسم والاعتماد والإتكاء علي مخزون معرفي يساهم في ارتقاء خطابهم الذي يحاولون طرحه من خلال أعمالهم، وإذا كانت أعمالهم تتعلق بالفكرة فالمعرفة عنصر وجودي في مواضيع الفنان.
علماً بأن قسم فنون الشرق الأوسط في متحف (الكما) ذكر بأن ثاني أكبر مقتنياته في هذا القسم من المملكة العربية السعودية ويضم أعمال نخبة من الفنانين والفنانات السعوديات بنسبة للجهات الراعية، كما ذكرت في بداية المقال أن هذا المعرض برعاية مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي واثبتوا احترافيتهم من خلال تنظيم معرضي الشخصي بالتعاون مع متحف يعتبر من أكبر المتاحف في العالم وأميركا تحديدًا.
التعليقات