إن تاريخنا الإسلامي متخم بنماذج لمفكرين وعلماء ومجتهدين تحولوا فكرياً، أو مذهبياً، ناهيك عمن تحولوا من اتجاه فكري في المذهب ذاته، إلى اتجاه فكري آخر، أو عمن راجعوا أفكارهم، فتحولوا من متشددين إلى متسامحين..
من حيث المبدأ، فلقد ثبت بالاستقراء، كما يقول القاضي والمفكر (عبدالجواد يس)، أن "التغير ظاهرة ضرورية مطردة، مصدرها التاريخ الاجتماعي الذي يتحرك على الدوام، من خلال آليات متداخلة معقدة بطيئة، يصعب التمييز فيها على نحو دقيق بين المؤثر والمتأثر من الظاهرات، داخل كل لحظة اجتماعية".
وإذ لا خلاف في أن التحولات الفكرية فرع عن التغيرات الاجتماعية، فإنها، أعني تلك التحولات، ليست بدعاً من مسيرة الفكر الإسلامي، سواءً أكانت تحولات من اتجاه فكري معين، إلى اتجاه فكري آخر، أم تحولات من مذهب إلى مذهب آخر، أم تحولا من اتجاه في المذهب نفسه إلى اتجاه آخر، أم تحولا من فلسفة إلى أخرى، ناهيك عن المراجعات الفكرية التي يقوم بها الإنسان، بوصفه كائنا متحولا، لأفكاره ومواقفه، انطلاقا من بنية مذهبه ذاته، كما فعل الشيخ سلمان العودة.
السؤال هنا هو: لماذا الاحتفاء بالتطور الفكري لشخصية فكرية، كالشيخ سلمان العودة؟
ربما يجد الباحث المهتم لمثل هذا الاحتفاء سببا رئيسيا آتيا من نوعية السياق السياسي والاجتماعي الذي يحف بنا اليوم، والذي هو بأشد الحاجة إلى إعادة الاعتبار لقيم الاعتدال والتسامح والتفسح للرأي الآخر، وخاصة عندما تأتي من قبل شخصية سلفية كالشيخ سلمان، يمكن لها أن تؤطر تلك القيم بآلية تأويلية لنفس النصوص التي يمتح منها من ينحون منحى التشدد، وهذا بحد ذاته سبب كاف للاحتفاء.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن ثمة سببا وجيها آخر للاحتفاء بالتطورات الفكرية لشخصيات بعينها، ألا وهو ما عبر عنه المفكر (عبدالجواد يس)، بالتركيبة الخاصة ذات الطبيعة الجامدة للعقل السلفي، (ليس المقصود العقل السني تحديدا، فكل المذاهب الإسلامية لديها سلفية تتمسك بها، بما يفوق ربما درجة السلفية السنية)، إذ ظل هذا العقل يعاند حتمية التغيرات الاجتماعية، ومن ثم أبّد في الوعي واللاوعي الإسلامي أن تغير/ تطور الأفكار منقصة يجب أن يبتعد عنها المثقف، أو المفكر المسلم؛ لذلك، فإن تطور أفكار شخصيات سلفية بحجم الشيخ سلمان العودة، يمكن أن يفتح كوة في الجدار السلفي الصلب.
إن تاريخنا الإسلامي متخم بنماذج لمفكرين وعلماء ومجتهدين تحولوا فكريا، أومذهبيا، ناهيك عمن تحولوا من اتجاه فكري في المذهب ذاته، إلى اتجاه فكري آخر، أو عمن راجعوا أفكارهم، فتحولوا من متشددين إلى متسامحين، فهؤلاء وأولئك أكثر من أن يحصروا.
على مستوى التحول العقدي، نجد مثلا، (واصل بن عطاء)، والذي تحول عن المذهب السني، فأسس مذهبا جديدا عرف بالاعتزال. إذ تذكر مصادرنا أن كلاً من عطاء بن يسار، ومعبد بن خالد الجهني دخلا على الحسن البصري وهو يحدث الناس كعادته في مسجد البصرة، فسألاه عن مرتكب الكبيرة: أمسلم هو أم كافر؛ وقبل أن يجيب الحسن، قام واصل بن عطاء إلى سارية من سواري المسجد فاعتزل بها، وبدأ يقرر مذهبه في المسألة، وهو أن مرتكب الكبيرة في "منزلة بين المنزلتين، ليس مسلما ولا كافرا"، فقال الحسن: اعتزل عنا واصل، وهكذا ولد مذهب المعتزلة منذ تلك اللحظة.
كما نجد في اتجاه معاكس، نموذجا لشخصية تحولت من مذهب الاعتزال إلى مذهب أهل السنة، ذلكم هو أبوالحسن الأشعري، الذي كان أحد أبرز تلامذة شيخ المعتزلة في عصره، (أبي علي الجُبائي، الذي توفي سنة 303هـ)؛ فلقد كان الأشعري، معتزلياً قحاً أقام على مذهب الاعتزال، ونافح عنه طيلة أربعين سنة، إلا أنه تحول بعد ذلك إلى مذهب أهل السنة والجماعة، فأسس المذهب الأشعري المعروف.
أما على مستوى التحولات الفقهية، فيكفي أن يطلع الباحث المهتم على كتاب جلال الدين السيوطي[جزيل المواهب في اختلاف المذاهب] ليعرف كيف تحول جمع غفير من السلف من مذاهبهم التي نشأوا عليها، إلى مذاهب أخرى؛ بل إن منهم من كرر التحول، فتحول من مذهبه إلى مذهب آخر، ثم إلى مذهب آخر غيره؛ ومنهم من جاس خلال المذاهب، ثم رجع إلى مذهبه الأصلي.
فعلى سبيل المثال، نجد (الإمام الطحاوي) صاحب العقيدة الطحاوية، كان شافعيا، ثم تحول حنفيا، وصنف في الفقه الحنفي كتاباً سماه (معاني الآثار). كما أن المحدث والمؤرخ المشهور، (الخطيب البغدادي)، كان حنبلياً في بداية أمره ثم تحول إلى المذهب الشافعي. وبالمثل، كان الأصولي المشهور، (سيف الدين الآمدي) حنبليا ثم تحول إلى الشافعية. أما (ابن الدهان النحوي)، فلقد كان حنبلياً ثم تحول إلى المذهب الحنفي، لأن الخليفة طلب لولده حنفياً يعلمه النحو، ثم تحول شافعياً فيما بعد، لأن وظيفة تدريس النحو بالمدرسة النَظَّامية شغرت، وكان شرط واقفها أن لا ينزل بها إلا شافعي. أما (ابن دقيق العيد)، فلقد في أول أمره مالكياً كأبيه، ثم تحول في ما بعد إلى مذهب الشافعي.
الشيخ سلمان العودة، لم يكن من أولئك، ولا من هؤلاء، إذ لم يتحول من مذهبه إلى مذهب آخر، فهو لا يزال سنيا سلفيا في العقيدة، وأما في الفقه، فإن معظم آرائه وفتاواه تتخذ من شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله، سواء في فتاواه، أم في اختياراته، مرجعية أساسية؛ أقول ذلك من باب الاحتراز، حتى لا يتوهم متوهم، أو يظن ظان أني أكتب عن الشيخ، بوصفه يندرج في عداد المتحولين مذهبيا. إن غاية ما قام به الشيخ سلمان، يتمثل في أنه راجع مواقفه الفكرية السابقة التي كان تنحو نحو التشدد، باعتماد آلية تأويلية معينة لأدلة من القرآن والسنة، إلى منحى آخر، ينشد الاعتدال، والتسامح، والتفسح للرأي والرأي الآخر، باعتماد آلية تأويلية أخرى لنفس الأدلة، باعتبار أن النص حمّال أوجه.
وللحديث بقية نستعرض فيها نماذج من المسائل التي تطور فيها فكر الشيخ، وخاصة منها ما يتصل بالعلاقة مع الآخر، بصفتها حجر الزاوية للمشهد السياسي والاجتماعي الراهن للمسلمين.
1
لا فض فوك! أؤيدك فيما قلت. ولكن كنت أتمنى من الشيخ سلمان العودة أن يقول: كنت مخطئا ورجعت عن خطئي، بدلا من الاكتفاء بـ: تطورت فكريا.. فهناك تطوران فكريان: من الحسن إلى الأحسن، من الخطأ إلى الصواب. نريد أن نثقف الشباب أن الاعتراف بالحق فضيلة، والعجيب أن الشيخ المعلم عندما يرجع لا يعني بالضرورة رجوع الطالب، وهو ما شاهدناه في الكثير من الشباب المتأثرين بالمدرسة القديمة والباقين عليها بل ربما أصبحوا أكثر تشبثا وتشددا، كما حدث مع الفكر الداعشي المنشق عن الفكر القاعدي. والله أعلم
2
غرم الله قُليّل
2017-03-29 12:00:30هل أعلنها جهارا نهارا الشيخ سلمان أنه تغيّر ، أو أنه اعتذر عن كتبه التي ألفها قبل تغيره ..
3
غرم الله قُليّل
2017-03-29 10:38:37فترة ما كان يُعرف بالصحوة ثبّتت التشدد ، واعتبرت أن على من لا يوافق (فقههم / الفقه الطالباني) أن يراجع إيمانه .. جُل ، إن لّم يكن كل شيوخ الصحوة عادوا الينا من : تورا بورا ، ومن قندهار .. من كان يعجرؤ على محاورتهم أو نقد تشددهم ..؟
4
غرم الله قُليّل
2017-03-29 10:20:11في بعض البلدان يصعب على الشيخ التحوّل والسبب أنه يتجنب هجوم المتشددين الذين يحاربون كل من يتجه للوسطيةوقد يحولون دون وصوله لوسائل الإعلام.لانرى الشيخ العلامةالوسطي المؤلف المحقق عضوهيئةكبار العلماء/عبدالوهاب أبوسليمان في وسائل الإعلام،ربما لأنه يتحاشى الإقصاء من باب الباب الذي يجيء منه الريح - سده
5
Abosaad
2017-03-29 08:19:03سبقك بها عكاشة الآسبوع الماضي كتب عن هذا الموضوع من قبل صحفي آخر في نفس الجريدة ، وتكلم عن الشيخ سلمان فلماذا تطرق الموضوع مرة أخرى ؟
6
حسن أسعد سلمان الفيفي
2017-03-29 07:50:24البعض يحاول عمل غسيل مخ للأخر المحافظ على ثوابته ليتقبل المبتدع الذي يكفر العربي لأنه لا يؤمن بولاية الفقيه ويقتله على الهوية ثارات للحسين الوضع ليس تحول من فكر منفتح مع المتجمعين في مؤتمر النهضة بالكويت الذي جمع الشعوبية و أعداء عقيدة التوحيد في سلة الإنفتاح الوضع هو أن نتمسك بعقيدتنا والوطن
7
كم أتمنى بأنني اقراء لك مقال هو حول من عبادتهم تتمحور في شتم الرموز واصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل لم تسلم رفيقته وزوجته ام المؤمنين رضي الله عنها ، وان توضح للقاري هل ( شتمهم ولعنهم ) ينطوي تحت مظلة الخلاف ، او هو اعتداء وتجاوز بل اثارة وعداء .. اما الشيخ ذائع الصيت سلمان العودة ، معروف حفظه الله تعالى لدى الجميع ، ولم يسلك فكراً جديد وإنما هو يكتسب علمه من الكتاب المنزل ومن السنة المطهرة ، ولا تخلط مابين التوجهات والمذاهب ، فتلك شي وهذه شي اخر
8
أيمن القاضي
2017-03-29 03:52:04وماذا استفاد المجتمع منه . قبل وبعد . المفكر الحقيقي هو من تبحث عنه . لا من يبحث عنك . بل ويُجبرك على معرفة حتى أحلامه . . ولكن أقول ما قال الشاعر . أما تغلط الأيام فيّ بأن أرى .. بغيضاً تنائي أو حبيبـاً تقرب...