من المؤكد أن الفرد لا يعي عقدته أو أنه معقَّد إلا في حالة واحدة: عندما يشعر بكبت، يشده أو بحصر في بعض المواقف أو بطريقته العامة في وجوده في العالم مما يمنعه من التصرف كما يشاء أو مثل الآخرين، وهذا ما يزعزع سلوكه التكيفي أو فعاليته، أو يكون منزعجاً وواعياً لمتاعبه من انفعاله ومن كبته (في عدم القدرة على التحرر).
والمشكلة عندما تتعامل مع إنسان معقد ولا يعي ذلك، بل قد يغضب إذا واجهته بعقدته، وقد يجيبك بأن نصف المجتمع معقد ولم تأت عليه وقد يتباهى بأنه معقد إذا تعارض الأمر مع شيء من قناعاته، أو قناعات المجتمع الخاص به حتى وإن كانت خاطئة.
وقد يدافع عن ذلك بمختلف الطرق ويلفت الانتباه بشتى الأساليب حتى وإن استدعى الأمر التقليل أو السخرية من الآخر.
والبعض يجاهد من أجل نفي تهمة أنه إنسان مُعقد ومن خلال هذه المحاولات قد يخطئ ويرتكب ما لا يتناسب وقناعاته من أجل الهروب من ذلك، ويساهم البعض في محاولة رفع روح من حولهم معنوياً، من خلال تحفيزهم المستمر، وتذكيرهم بأنهم رغم ظروفهم القاهرة الأسرية والمجتمعية تجاوزوا حالات التعقيد وباتوا طبيعيين في تعاملهم وسلوكهم مع الآخرين رغم أن الظروف أحياناً قد تجبر الإنسان أن يصبح معقداً.
والعقد الشخصية متعددة لعل أهمها العقد النفسية الكبيرة ولعل أهمها ما يلي:
1- عقدة الإهمال: وتدعى غالباً عقده الحرمان العاطفي أو (عقدة المنع) أو (عقدة الرفض) وتدل عقدة الاهمال هذه على حساسية متطرفة في القصور العاطفي، وفقدان الحب ووسواس في الابتعاد العاطفي، لا بل تصدعه.
لأن نغماته الدائمة (لا أحد يحبني، أو هو لا يحبني، لا تريدني أبداً .إنه يهملني، إنها تدفعني عنها، إنهم يبعدونني (يتركوني على حدة) وعلى مسافة منهم.
إحساس مستمر بأنه كان متروك، أو لا يهتم به أحد، وأنك مطالب باستمرار بأن تسأل عنه، وهو في احتياج مستمر للسؤال وأن يكون في دائرة الاهتمام.
وهو يراقب أقل الاشارات المتناقضة والمتوقعة في سلوك أو طبع الغير، كأحد مظاهر الانفعال العاطفي.
ولديه شراهة عاطفية من الصعب تعويضها، وكل خيبة أمل عاطفية تلقى شعوراً حاداً يؤدي إلى البحث عن ضمانة غير ممكنة وإلى استجواب يطرح على الآخر لفظياً، أو بالنظر للتعرف على مدى حبهم له. وهو متقلب فتارة مكتئب، وتارة عدواني وتارة مكافح حسود. وهو باحث باستمرار عن الاطمئنان والحماية.
وهناك عقدة المنافسة الأخوية، ويعتبر أصلها الحسد الناتج عن وجود طفل صغير في البيت أو طفلة، ويعبّر عنها في عمر الرشد بالحسد العدواني تجاه كل من هو قابل للتأثر باجتذاب الأفضلية، والتنافس للوصول إلى الأفضل وإلى المديح وإلى التقدير.
وهناك عقدة الخطر أو اختلال الأمن وهي عقدة يسيطر من خلالها الخوف والاضطراب على الوجود، ويمكن أن يكونا منتشرين وثابتين ويمتاز هذا الوجود في أحد أشكاله بالانزعاج الخوف من النقص، من الحادث، من السرطان، من الموت، من العوز أو من الوقوع في الدرج، وأشياء أخرى ترافق ذلك اضطرابات نفسية، جسدية، تشنجات، انزعاج في الحلقوم، عدم إحساس في الأطراف، آلام عقلية وكل ذلك يزيد في عدم الاطمئنان.
وهناك عقدة الذنب وهي عقدة أولئك الذين يعيشون، بشكل شبه دائم في الشعور بالخطيئة، خوفاً من العمل السيئ، وفي خجل دائم من أنفسهم، وبتأكيدهم سراً بأنهم لا يسيرون حسب القاعدة، ولا يستحقون السعادة، أو بكل بساطة الأفراح والملذات التي تقدّم لهم في هذا الوجود.
وخيايا المصاب بعقدة الذنب تحمل في داخلها نوعاً من العناد الأخلاقي من الافراط في الضمير الأخلاقي، وتضخيم الأخطاء والنواقص، والاحساس المستمر بأننا على خطأ ويصاحبها عند الشعور بها احمرار في الوجه (مرض رهبة الاحمرار) النفور من بعض الأشياء، خجل من الذات ومن الجسد ومن الوجه، خوف من الجنون. وبين عقدة الذنب وعقدة الفشل ارتباط دقيق فالفشل هو الترجمة المادية للعقوبة من قبل الحظ.
وهناك عقدة النقص وهي تعني بأن الشخص ليس على المستوى المطلوب وبأنه غير كفؤ وبأنه محكوم عليه هكذا، أو بأنه شخص يُهزأ منه، أو أنه مجال للسخرية.
وعلى تعدد العقد والمصابين بها يظل الفرد المعقد لا يبحث عن التخلص من عقدته فقط أولئك الذين لا يكونون مسرورين من ذواتهم يرغبون في التخلص من عقدهم، ومن أجل ذلك علينا أن نتفاهم على مفهوم الشفاء، لأنه لا يعني مطلقاً التطابق الاجتماعي أو (التسوية) بالخضوع إلى الأنظمة الثقافية أو الاجتماعية والسياسية، غاية الأساليب المؤدية إلى الشفاء هي في رد الأنا إلى كامل قدرته بأن يكون، وإلى حريته الأونتولوجية، وقدرته على فهم الحاضر، بدلا من أن يراه من خلال شبكات معنى مترسبة من الماضي، أوالتي تعمل على اعوجاجه بشكل متأصل، فالشفاء هو إحياء المستقبل كبعد أساسي في القدرة على الإبداع وفي المشروع الشخصي.
وللأهل دور في تدارك العقد النفسية والاضطرابات الشخصية على اعتبار أن كل مخلوق بحاجة إلى سمات كي يتمركز، إلى حدود كي يستقيم، إلى أنظمة كي يتعلم كيف يتقي الآخرين، إلى حرمان كي يؤكد قدرته على التسامح والكبت والشجاعة والإرادة والمراقبة الذاتية، لكن عليه أيضاً أن يتعلم العفوية والفرح، والثقة بالنفس والغيرة والمستقبل، والقدرة على الحب، والشعور بالطائفة وامكانية التوازن الدقيق بين الحرية والمسؤولية.
التعليقات