بين إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. سعود الشريم، أن من نعم الله علينا نعمة المال، ونعم في المعيشة، ونعم في مواكبة الوسائل الحديثة، التي قربت البعيد وقصرت الزمن، تجد من في المشرق يسمع سلام من في المغرب، ليس بين نطق ذاك وسماع هذا سوى لحظات يسيرة، إنه لواقع عجيب لو قص على آبائنا وأجدادنا لعدوه ضرباً من ضروب الخيال أو حديث سمر الليل.
وقال في خطبة الجمعة يوم أمس من المسجد الحرام بمكة المكرمة، كيف لا يعجبون لذلك وقد كان الغائب عنهم مفقوداً حتى يرجع، وأخبار الأمم حولهم بين وقوعها وبين سماعهم بها مراحل من الزمن، إنها لنعمة وسائل التواصل الاجتماعي منها وغير الاجتماعي، التي أذهلت العقول والأسماع، وخطفت الأبصار بسرعتها ودقتها وتكاملها.
وبين الشيخ الشريم، أن طبيعة وسائل التواصل الاجتماعي أفرزت ممارسات غريبة، من اللا مبالاة بالآداب والأعراف، وخلط الزين بالشين، ورفع الكلفة المحمودة حتى أصبحت، أنامل المرء هي صورة فكره أكثر من عقله ولسانه، لأن الذي يواجه هذه الوسائل يواجهها في جميع أحواله، ومثل ذلكم حري بأن يعزل صاحبه عن عظم مآلات الكلمة وما يدفع ذلك من مغبات خطرة.
وأشار إلى أن سهولة الوصول إلى هذه الوسائل وسهولة استعمالها قد أفرزت غياباً لهيبة الكلمة وعدم استشعار عظمتها وخطورتها، حتى إنها أصبحت لدى كثير من الناس في مقام حديث النفس، لا زمام له ولا خطاب، ولقد أزالت كثيراً من التحفظات والحواجز التي لا يستطيع أحد أن ينطق بها بين شفتيه في مجلس ما، لكن يمكن أن تجرؤ عليها أنامله من خلال لمسه للوحة المفاتيح لتصبح تلك اللمسة أسرع من إعمال الفكر وأكثر شغلاً لصاحبها من محادثة من هو بجانبه.
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن بعض الناس ليتوهم أن وسائل التواصل الاجتماعي تمثل طريقاً معبداً للثقافة لا ترى فيه عوجاً، في حين أن الأمر خلاف ذلك تماماً، لأننا نكابد في زمننا هذا واقعا متسارع الخطى تتدفق إلينا معلوماته تدفقاً شديداً عبر هذه الوسائل، مما يؤكد اليقظة والحذر لما يمكن أخذه من بين سطورها، وما يجب رفضه، حتى لا نقع في شرك كنا نفر منه ونكون صيداً ثميناً لمآرب اللاعبين بالمجتمعات المتربصين بها الدوائر.
وطالب د. سعود الشريم بالتروي في صحة المعلومة أو عدمها، خوفاً من الإشاعة التي ستكون أقوى بمراحل من القدرة على تمحيصها، ويصبح الاستعداد لقبولها أكبر من نفيها أو الرد عليها.


التعليقات