حينما كنتُ أعمل في لندن، انجذبتُ إلى جريدة التايمز، ليس إلى أخبارها العالمية أو الشرق أوسطية، بل إلى عمود إعلاني يومي يُسمى (بيرسونال كولومن)، واختار له العرب المقيمون هناك اسم (شؤون شخصية) والجملة أقرب ترجمة.

ذاك العمود المشهور يضم إعلانات تميل إلى الحاجة الشخصية، غير التجارية في الغالب. واشتهر العمود بين الطبقة فوق المتوسطة، قراءة وتأملا. ومن خصوصية ذاك العمود أنه لا يضع عنوانا جغرافيا أو هاتفا، بل يعتمد على صندوق بريد داخل الصحيفة، تقوم بجمع الاستجابات وإرسالها (برايفت آند كونفيدانشال) إلى المعلن، من أجل تجنّب الاستجابات الفضولية غير الجادة.

وفي الإعلانات تلك قرأتُ بعض الأطر غير المعتادة، وقد أقول الغريبة. وأختار مثالاً:

امرأة تسكن منطقة راقية، خارج المدينة، ولديها طاقم خدمة ورعاية في منزل مريح جدا. تود التعاقد مع مُرافقه كومبانيون companion تُحب الشعر والأدب وتعرف الكثير عن (بايرن) -شاعر إنجليزي 1828 ميلادية- ولها اطلاع على روايات ديكنز وسومرسيت موم، ويمكنها نقد بعض مسرحيات شكسبير. والغرض المؤانسة وتناول الشاي 3 مرات في الأسبوع بين التاسعة والحادية عشرة صباحا، والمكافأة مُجزية، وتُمنح بدل مواصلات عامة.

صاحبة الإعلان ذاك لا ينقصها شيء من متطلبات الحياة العادية غير الرفقة أو المؤانسة، وهي أقرب ترجمة لكلمة (كومبانيون). ودلّني إعلان كهذا أو ما يماثله على أن المرء يحتاج إلى من يتحدّث إليه ويؤانسه ويتلاقى معه في التفكير الأدبي وربما الهواية.. ويُبعد السأم وفراغ الروح.

وقال الطب الحديث أشياء كثيرة عن علاج الوحدة والانعزال بواسطة الاندماج أو الارتباط الاجتماعي أو المخالطة أو الاستئناس والمعاشرة، والاستعداد الاجتماعى لتبادل الحديث. وأكّد الطب تلك الطريقة كعلاج بديل لحالات الاكتئاب التي تُصيب البعض عند حلول مُزعجات الحياة خصوصا في الاقنصاد.. حتى لو تيسّر له كل شيء.

ويمرّ الإنسان بحالات من الانكسار لا نتيجة كارثة أحاطت به، ولكن ربما بما دفعته إليه مُتغيرات وتقلبات الحياة. وأقف قليلا عند مرحلة هبوط الأسهم التي مرّت بها بلادنا في مرحلة سابقة، وكيف اضطر البعض إلى طلب المساعدة العلاجية في الداخل أو الخارج.