الفرد، حينما يصبح عاجزا عن التصرف بفعالية، لأنه مجبر على اتباع عادة لا معنى لها، يكون أمام وضع يحتم عليه النظر في تلك القواعد والسلوكيات التي تصيبه بالإحباط والقلق
يخصص الدكتور واين دبليو داير فصلاً من كتابه الرائع (مواطن الضعف لديك) بعنوان (كسر حاجز التقاليد)؛ وهو يقصد بالتقاليد هنا "تلك الأوامر والواجبات الاجتماعية التي يقوم الناس على تطبيقها على أنفسهم دون تقييم، ودون أن يكونوا قادرين على التخلص من الانقياد لها، حتى وإن كانوا غير مقتنعين بها"؛ وهي إشارة إلى ثوابت ومتغيرات الثقافة بمعناها العام، والتي تكون بمثابة قائد وموجه للناس، ومتحكم بسلوكهم دون رضا أو اقتناع منهم.
الدكتور واين دبليو داير طبيب نفسي، وعالم نفس مشهور، وقد ركز جهوده وأبحاثه على البحث عن مواطن الضعف النفسي لدى الإنسان وعلاجها؛ وهو من ثم يعد تلك التقاليد على أنها أحد أهم مواطن الضعف الإنساني.
ليس القصد هنا مخالفة القوانين التي تسود في المجتمع، ذلك أن القوانين تعد سمات المجتمعات المتحضرة، وإنما القصد الإشارة إلى أن التمسك الأعمى بأحد التقاليد التي ثبت عدم جدواها، يكون عادة أكثر تدميرا للفرد، أكثر من انتهاكه للقوانين نفسها.
إن الفرد، حينما يصبح عاجزا عن التصرف بفعالية، لأنه مجبر على اتباع عادة لا معنى لها، يكون أمام وضع يحتم عليه النظر في تلك القواعد والسلوكيات التي تصيبه بالإحباط والقلق، وذلك عندما تصبح حجر عثرة أمام السلوك السليم والفعال.
في البداية، يؤكد داير على أن الاندماج في المجتمع مفيد للتكيف أحيانا، ولكنه قد يكون عصابا، خاصة إذا ترتبت عليه تعاسة واكتئاب وقلق جراء الإذعان لقوانينه وعاداته التي تسرق من الإنسان الانقياد لذاته.
إن الإنسان إذا انصاع لعادة أو تقليد ما، دون أن يعود هذا التقليد عليه بالنفع، فإنه يتنازل عن حريته في الاختيار؛ ليس هذا فحسب، بل إنه يفتح الباب أمام القوى الخارجية لكي تتحكم به وتهيمن عليه. وهذا الوصف يعود بنا إلى الحديث عن النزعة الفردية التي يتضاءل وجودها، حتى في المجتمعات المتقدمة، ناهيك عن المجتمعات المتخلفة.
إن الإنسان الذي لديه نزعة فردية يكون منصاعا في غالب حياته إلى قواه الداخلية؛ بحيث تكون سيطرة القوى الخارجية عليه، وهي على العموم لا بد منها، عند حدها الأدنى. وكلما كان الإنسان خاضعا للقوى الخارجية بدرجة أكبر من خضوعه للداوعي الداخلية، كان فاقدا من نزعته الفردية بنفس النسبة.
يميل الإنسان، وفقا لداير، إلى أن ينصاع إلى تحكم القوى الخارجية فيه، على الرغم من أن ذلك ينزع منه أعز ما يملك، وهي حريته ونزعته الفردية.
وإذا كان الأمر كذلك، فما هي علامات هذا الخضوع؟
يجيب داير: إذا سُئلتَ مثلا، "لماذا تشعر بعدم الرضا؟"؛ وكانت إجابتك كالتالي: "إن والديّ يسيئان معاملتي"؛ أو "أصدقائي لا يحبونني"؛ أو "لقد جرح فلان مشاعري"؛ أو "إني ذو حظ سيئ"؛ فإنك من زمرة من يتأثرون بالعوامل الخارجية بشكل أكبر؛ وبنفس الوقت، إذا سئلت عن سبب سعادتك فأجبت: "أصدقائي يحبونني"؛ أو"أصدقائي يراعون مشاعري"؛ أو: "الناس يحبونني"؛ أو: "لا أحد يضايقني"، فإنك لا تزال بنفس القالب، أي لا تزال ترهن مشاعرك للقوى الخارجية.
إن الشخص الذي يملك ذاته، وليس خاضعا لسيطرة القوى الخارجية، ولديه نزعة فردية كافية، يجيب بإجابات أخرى عندما يسأل نفس الأسئلة السابقة، فتجده يقول: "أنا الذي أوهم نفسي بأشياء غير صحيحة"؛ أو: "أنا الذي أعطي لما يقوله الآخرون عني قدرا كبيرا من الأهمية"؛ أو: "إني أشغل بالي بما يفعله الآخرون".
من ناحية أخرى، فإن الأنوية، أي استخدام كلمة (أنا) ليست مذمومة، كما تؤكد لنا ثقافتنا؛ بل إنها علامة على تمتع الشخص بما يكفي من النزعة الفردية، بشرط أن يوجهها في مسارها الخاص؛ والذي يعني أن يحب الإنسان نفسه بصفته مستقلا برأيه، ومحدثا لسعادته. إذ يجيب هذا الشخص إذا سئل: لماذا يبدو سعيدا بالإجابات التالية: "أنا الذي سعيت جاهدا لأكون سعيدا"؛ "أنا الذي تمكنت من جعل الأشياء تعمل لصالحي". "أنا المسؤول عن نفسي، وهذا ما اخترته لها". وبنفس الوقت عندما يُسأل عن سبب عدم سعادته فإنه سيجيب: "ليست لدي المهارات اللازمة لتجنب التعاسة"؛ أو" ليس لدي الآن ما يكفي من القوة لأن أتفادى الشعور بعدم السعادة".
وهكذا، فإن هذا الإنسان ذا النزعة الفردية يشعر ويتصرف على أنه مسؤول عن مشاعره تماما، دون أن يسمح لأي قوى خارجية بالتحكم بها. إنه حتى حين يشعر بعدم الرضا أو بعدم السعادة، فإنه لا ينسب ذلك إلى الناس أو إلى الأشياء، بقدر ما ينسبه إلى نقص المهارات اللازمة لديه لطرد التعاسة والقلق. بينما نجد أن الإنسان الفاقد لنزعته الفردية لا يتورع عن اتهام الآخرين والظروف بجعله غير سعيد، أو قلق أو مكتئب. ذلك أنه يهتم برأيهم بشخصيته؛ فإن قدّروه فهو شخص مميز، وبالتالي فهو سعيد؛ وإن لم يقدروه، فهو عضو طالح غير مفيد، وبالتالي فهو غير سعيد قلق مكتئب.
إن الإنسان، إذ يلقي باللوم على الآخرين، فهو بلا شك مثقل بالواجبات الاجتماعية السلبية التي تجعله غير سعيد، لأنه منقاد إليها، ويراعيها، ويتقيد بها خوفا من اتهام الناس له بأنه غير رشيد، أو غير مفيد، أو ليس بذكي، وهكذا!
لا بد للإنسان الذي ينشد السعادة والحياة الرغيدة أن يتخلى رويدا رويدا عن الاهتمام بتقييم الناس له، وأن ينمي صفة التقييم الذاتي الداخلي. وهي وإن كانت من الصعوبة بمكان، إلا أنها ضرورية للصحة النفسية.
لقد ساق الدكتور واير أدلة تدل على صعوبة التخلص من الانقياد للقوى الخارجية التي تتحكم بالإنسان وتجعله طوع بنانها، وعلى رأسها العادات والتقاليد التي تفقد الإنسان حريته، بل وإنسانيته.
يذكر مثلا في كتابه آنف الذكر بأن الدراسات أثبتت أن 75% من الشعب الأميركي أكثر ميلا إلى التوجهات الشخصية المتأثرة بالعوامل الخارجية؛ وإذا كان ذلك في مجتمع متقدم مثل المجتمع الأميركي، فكيف ستكون عليه النسبة في مجتمعات لا تزال تبحث عن نفسها؟
1
مجرد الإحساس بأنك حر وتتمتع بحريتك هو شعور جدا راقي ، ومجرد دعوة بالقوة وتلبي الدعوة من غير قناعة تحس بضيقة وربما تكون لديك شعور سيئ عن صاحب الدعوة الذي دعاك بالقوة ، وقد تتراكم الكلمات المسيئه فاحذر ان تخرج ، وقس على ذالك سائر المحطات ، ارفض اي تقييد ولا تكن سبب في تقييد الآخرين ، واصحاب فكرة التقييد ، قله على البلاطة أخرجن من مخيلتي ، واغربنا عني ملامحك
2
منذ كذا عام لم أعد اعمل بشي لا اقتنع فيه ، يا رجل ملينا خلاص ، وللمعلوميه على طاري إلانا ، الانسان بطبعة نرجسي ، يعشق نفسه جنون ، وأصبحت النرجسية توصف على انها مرض ، صحيح كل شي يزود عن حده ينقلب ضده ، هي كذا ضده مادري ، المهم ، تقيد التقاليد الحياة في المجتمع السعودي وخاصة المجتمعات الطرفية ، ترى في عيناه شي وتجده في باله موال اخر ، ارفس العادات البالية المتعارضة مع المنطق ، ودع فلان وانه يمدحك في زاوية اخفاء الملامح
3
عصام ابو مساعد
2016-10-26 12:30:11لا يابو وفاء لسنا معك في المدة التي ذكرتها فقد سطع نور الإسلام منذ 1438 سنة واقرأ ان شئت كتاب (شمس الله تشرق على الغرب )الذي يوضح أثر الحضارة العربية في أوروبا لمؤلفته الألمانية(زجريد هونكة) .. ودع عنك جلد ذاتنا وكن منصفاً وشكراً
4
أبو وفاء
2016-10-26 11:33:25الفردية .. هذا موضوع المقال ، وهذا هو سبب تقدم أوروبا الغربية وخلقها للحضارة البشرية الحديثة بعد تخلف البشر منذ فجر التاريخ وحتى 500 سنة مضت . العقل البشري مثل قنديل علاء الدين السحري ، إن تم إطلاقه بحرية ، صنع المعجزات ووصل القمر. والمجتمعات المتخلفة فقط هي من يرضى بسجن عقولها كمثلنا نحن العرب.!