زمن الطفرة فقّاعة انتعاش اقتصادي ظهرت في بلادنا مع بداية السبعينيات الميلادية وقت فُتِحت فيه خزائن المال العام لتطوير البلاد من قبل القطاعات الحكومية بمشاركة رأس المال الشعبي هذا لمن لا يعرف معنى المفردة.

سأحدّثكم بكلام مختصر عن التغيرات التي حدثت على بعض أنماط السلوك الاستهلاكي في بلادنا خلال العقود الأربعة الماضية وهي تغيرات دراماتيكية متلاحقة فرضت بعضها ظروف كل مرحلة.

في أول زيارة لي للولايات المتحدة الأميركية قبل ما يقارب 40 عاما أثار دهشتي وبالتالي إعجابي أمور عدة أشاهدها لأول مرّة، منها ثلاثة على رأس قائمة دهشتي.

الأول: تلك الطرق العملاقة "أوتوستراد" أو حرة الحركة (Freeways) تمنيت ألا أموت قبل أن أشاهد مثلها في بلادي ذات الطرق المفردة الهزيلة حينها.

الثاني: التزام الناس الصارم بمختلف طبقاتهم، أعمارهم وأجناسهم بالطوابير فلا أحد يأخذ دور أحد أو يتعدى عليه.

أما الأمر الثالث: مربط الفرس في حكاية اليوم، شراء الناس بالتجزئة الصغيرة جدا من أسواق السوبر ماركت العملاقة التي لم أر مثيلا لها في بلادي ولا في أي دولة عربية في ذاك الزمان.

أثار دهشتي واعجابي بالفعل ذلك النمط الذي يقنن استهلاك الفرد من المواد الغذائية تحديدا في بلادٍ غنيّة تأخذ بنظام الرأسمالية شره الاستهلاك، شديد التمسّك بالكماليات.

لا يتردد الأميركي عن شراء حبة خيار واحدة أو تفاحة أو ثلاث حبات بصل أو مغلّف صغير يحوي نصف كيلو من الأرز أو رغيف واحد أو علبة من البازلاء المحفوظة وقس على ذلك بقية المواد الغذائيّة.

أما نحن في مجتمعنا (الطبقة الوسطى يا للعجب) فقد كُنّا لا نعرف اقتناء مثل تلك المواد إلاّ بالجُملة فالأرز بالكيس سعة 50 كيلوغراما وكذا الطحين، البصل، الصلصة المعلّبة بالكرتون سعة 100 قوطي معدني. السمن بالتنكة أو "العكّة" وهي وعاء مصنوع من جلد الماعز يحفظ فيه السمن إذ لم يكن هناك ما يُسمى بزيت الطعام.

البطيخ والشمام بالــ" شحنة" أي حمولة عربة "كارّو" التي يجرها الحمار أو ونيت صغير. ربما اللحم هو السلعة الوحيدة التي تُشترى بالتجزئة إذ لا يقدر رب الأسرة ماديا على شراء جمل أو خروف فيشتري لأهل بيته "وزنة" من اللحم وهي أكثر من كيلوغرام واحد بالتأكيد.

من هنا ولهذا السبب ربما كان مصير الفائض من تلك المواد أو التالف لطول التخزين براميل النفايات للأسف الشديد!

حين انتشرت أسواق السوبر ماركت في بلادنا ورأى المواطن الأجانب يشترون بالتجزئة الصغيرة وجد من غير العيب تقليدهم ربما ليس عن قناعة تامّه ولكن بسبب قضم الفواتير لمعظم الدخل فارتفع الوعي الاستهلاكي رغما عن الأنوف.

سألت قريبا لي ممن اتخذ الترشيد له سبيلا عن رأيه في ذلك التغيير فقال: انتظر حتى ينزل راتب هذا الشهر (أكتوبر 2016/محرم 1438) فلربما لن يستعيب البعض حينها من شراء حتى العدس بالعدد!

aalkeaid@hotmail.com