تعتبر السيولة من أهم المؤثرات التي تحرك الاقتصاد ولذا فإن أي تراجع للسيولة سوف يؤثر سلباً على الحركة الاقتصادية وحيث إن اقتصادنا المحلي هو اقتصاد ريعي يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي فان أي تراجع في الانفاق سوف تظهر نتائجه السلبية على الاقتصاد وهذا ما تؤكده الأرقام التي تم تحليلها في البيان الاحصائي لحركة السيولة حيث تسبب تراجع أسعار النفط في انكماش الدخل وتحجيم عدد المشاريع المنفذة واقتصارها على المشاريع العاجلة ولهذا جاء التوجه الحكومي لإقرار خطة استراتيجية للتقليل من الاعتماد على أسعار النفط وهي احدى مبادرات خطة التحول الوطني 2020 وصولاً الى رؤية السعودية 2030

الودائع في المصارف

تراجعت الودائع في المصارف بنسبة 3% في شهر أغسطس 2016 مقارنة بالشهر المماثل 2015 ولكن من الملاحظ بأن الودائع تحت الطلب تراجعت بأكثر من 11% بينما حققت الودائع الزمنية والادخارية نمواً بحدود 20% وقد نمت ودائع الافراد والشركات بنسبة 39% وهذا مؤشر بان التراجع الاقتصادي تسبب في عزوف المستثمرين عن الدخول في استثمارات جديدة قد تسبب لهم بعض المخاطر في ظل التراجع الاقتصادي وتفضيل الودائع الزمنية والادخارية ذات العائد المنخفض وهذا قد لا يروق كثيراً للمصارف التي تعودت في السنوات الماضية على ودائع غير مكلفة كانت تمثل حوالي 74% من حجم الودائع في شهر أغسطس 2015 ولكنها تراجعت الى 68% هذا العام وقد تستمر في التراجع مستقبلاً ولذا سوف تنخفض أرباح المصارف جراء هذا التحول أو قد تضطر الى رفع نسب الفوائد على القروض.

شيكات المقاصة

شيكات المقاصة سواء بين البنوك أو العملاء هي الأخرى تعطي مؤشر على حركة السيولة وقد تراجعت قيمة الشيكات بنسبة 25%خلال شهر أغسطس 2016 مقارنة بنفس الشهر من عام 2015

مكائن الصراف الآلي وقيمة السحوبات

بالرغم من ارتفاع عدد مكائن الصراف الآلي ووصلها الى 17,470 ماكينة بنسبة نمو 5% وكذلك نمو عدد بطاقات الصراف الآلي بنسبة 24% الا أن قيمة السحوبات تراجعت بنسبة 3%

نقاط البيع وقيمة المبيعات

ساهمت الإجراءات الجديدة التي اتخذتها مؤسسة النقد السعودي من خلال تحفيز المصارف في عملية تسويق مكائن نقاط البيع على المتاجر في زيادة عدد المكائن حيث تجاوزت 266 ألف ماكينة بنسبة نمو 40% وكذلك ارتفعت عدد العمليات المنفذة من خلال هذه المكائن لتصل الى حوالي 44 ألف عملية خلال شهر أغسطس 2016 وبنسبة نمو حوالي 23% الا أن قيمة المبيعات من خلال نقاط البيع تراجعت بنسبة 6% وهذا مؤشر على انخفاض القوة الشرائية ولذلك ظهرت نتائج قطاع التجزئة متراجعة بشكل ملفت.

السيولة في سوق الأسهم

لوحظ بأن السيولة بسوق الأسهم تتراجع بشكل كبير وكان يعزى ذلك الى موسم الإجازات وكان متوقعاً أن تعاود الارتفاع بعد انتهاء موسم الاجازات الا أن ذلك لم يحدث بل تراجعت السيولة في شهر سبتمبر حتى وصلت الى حدود 1,5 مليار وعند النظر الى مستوى السيولة في شهر المقارنة أغسطس نجد بأن السيولة قد تراجعت بشكل حاد جداً حيث وصلت الى حدود 44% وهي تقل بكثير عن تراجع مستوى السيولة في الاقتصاد الكلي ويعزى ذلك الى العامل النفسي الذي سيطر على شريحة المتعاملين في السوق وكما هو معلوم بأن حجم التداول اليومي يصب في مصلحة المتعاملين الافراد حيث يشكلون حوالي 82% وهذه الشريحة تتأثر كثيراً بالعامل النفسي وعدم وضوح الرؤية والتأثر المبالغ فيه عند سماع أي أخبار سلبية.

الصفقات العقارية

بالرغم من الركود الذي يخيم على سوق العقار وقرارات الحكومة بفرض رسوم على الأراضي البيضاء الا أننا نلاحظ أن نسبة تراجع قيمة الصفقات العقارية لم تتجاوز 20% وهذا يؤكد تحليلنا عن تراجع السيولة المبالغ فيه بسوق الأسهم حيث إن العقاريين لديهم نفس طويل وصبر على التراجعات ولذلك لا يتأثرون كثيراً بالأخبار السلبية بالإضافة الى تسييل العقار يحتاج الى زمن طويل بعكس تسييل محافظ الأسهم التي تحصل بضغطة زر.

النقد المتداول خارج المصارف

تراجعت السيولة في كل القطاعات الا أن السيولة خارج النظام المصرفي نمت بنسبة 1% لتصل الى حوالي 174 مليار وهذا مؤشر سلبي حيث يتسبب بفقد الاقتصاد مبالغ تمثل ما يعادل 20% من ميزانية الدولة غير مستغلة وهذا يستدعي مؤسسة النقد مراجعة إجراءاتها للحد من نمو هذا النقد وإلزام المتاجر وقطاعات الاعمال باستخدام الوسائل التقنية بديلاً عن النقد.

السندات الحكومية

لاشك بأن إصدار سندات حكومية لسد العجز في الميزانية تسبب في سحب سيولة كبيرة من النظام المصرفي حيث ارتفعت السندات الحكومية خلال شهر أغسطس 2016 لتصل الي حوالي 170 مليار ريال مرتفعة بأكثر من 105 مليارات ريال مقارنة بالشهر المماثل لعام 2015 وهذ ضغط كثيراً على المصارف وحد من قدرتها على منح قروض للشركات والافراد مع أن السندات الحكومية خيار استثماري جيد وآمن للمصارف، ولعل قطاعات الاعمال تنتظر الخطوات القادمة التي تعتزم مؤسسة النقد اتخاذها نحو اصدار سندات دين دولية وضخها في الاقتصاد المحلي والتي ربما تساهم في رفع مستوى السيولة وانعاش الاقتصاد.

*محلل مالي

image 0

حسين بن حمد الرقيب