لو أن شخصاً ادعى أنه اكتشف علاجا لمرض مستعصٍ، ولكنه لم يختبر علاجه إلا على شخص واحد، مرة واحدة فقط! عندها، بالتأكيد سنرفض الادعاء لسبب مهم وهو أنه لم "يكرر" النتيجة وبالتالي لا يمكن الجزم بصحة الادعاء.

في المقابل، افترض أن شخصا ادعى أن حركة الأجسام الأرضية والأجرام السماوية "لا" تخضع لقانون الجاذبية في الفيزياء، في حين أنه يمكن لأي إنسان على وجه الأرض (والفضاء) أن يختبر هذا القانون ويتأكد بنفسه من صحته ودقته، بل ويستخدمه في كثير من التطبيقات: من نظام تحديد المواقع، وتوجيه الصواريخ والمقذوفات، وصولا إلى إرسال الأقمار الصناعية والبشر إلى الفضاء. حينها سيكون من الجهل الأخذ بذلك الادعاء.

هناك طيف واسع من درجات الادعاءات العلمية وطرق مختلفة لاختبارها، وإحداها: الطرق الإحصائية، وهي طرق شائعة جدا في الأبحاث العلمية في مختلف المجالات كعلم الاجتماع، والاقتصاد، والطب، والهندسة، والعلوم!

لكن المشكل هو أن عددا من الدراسات القائمة على تلك الطرق تقع في أخطاء فادحة أحيانا!

ففي استطلاع قامت به مجلة نيتشر مع 1500 باحث، كانت النتيجة هي أن 70% منهم أقر بأنه لم يتمكن من تكرار "نتائج" تجارب غيره من الباحثين. و50% منهم لم يتمكنوا من تكرار "نتائج" تجاربهم التي قاموا بها بأنفسهم! وأحد أهم الأسباب هو: عدم استخدام الطرق الإحصائية استخداما سليما.

لذلك فإن أدنى درجات المعرفة بمفاهيم الإحصاء المستخدمة في الأبحاث العلمية كفيلة بتحصينك من المبالغات، وتساعدك لتكوين وجهة نظر علمية، سواء أكنت قارئا، أم محررا، أم طالب دراسات عليا، أم مستشارا، أم مستثمرا، أم غيره! وهي ليست معقدة كما يتوقع البعض!

هناك عشرات الآلاف من الادعاءات التي تسهم طرق الإحصاء في اختبارها. مثلا، في الطب: الدواء "أ" فعال في علاج المرض "ب". وفي علم الاجتماع: هناك صلة بين الظاهرة "أ" والظاهرة "ب". وفي الاقتصاد: عوائد الصندوق الاستثماري "أ" تكافئ عوائد المؤشر "ب".

وعادة ما تحاول تلك الادعاءات أن تؤكد علاقة "ارتباط" بين شيئين. وعلاقة الارتباط تختلف عن العلاقة السببية. فهناك فرق بين أن نقول: إن البطالة "تؤدي إلى" الإرهاب، والبطالة "مرتبطة" بالإرهاب. فالأولى هي عبارة خاطئة لأنها تدعي وجود علاقة سببية.

معظم الأبحاث العلمية التي تستخدم الإحصاء تحاول الكشف عن "علاقات ارتباط" وتقنينها. ومن الخطأ أن يقدم الباحث (أو الصحافة) نتائجه على أنها علاقة سببية. وسيقدر القارئ أهمية الأمر إذا ما ارتبط ذلك الخلط بصحة الإنسان، أو بقرارات مالية مهمة.

أيضا، إذا قيل إنه "حسب الدراسات" فإن عوائد الصندوق "أ" تكافئ عوائد مؤشر "تاسي"، فهذه عبارة غامضة ولا ينبغي أن نرضى بها إذا لم تُذكر معها نسبة الخطأ. فكل الدراسات القائمة على الطرق الإحصائية تحتمل نسبة من الخطأ، وعلى الباحث أن يذكرها صراحة، وللقارئ العام أن يسأل عنها.

هذه أمثلة على بعض المفاهيم المستخدمة في طرق الإحصاء وكيف يمكن أن تتحول إلى مصادر للأخطاء وعدم الدقة. وهي كما أشرت مسبقا موجودة في الكثير من الأبحاث وبكل أسف.

أخيراً، نحن في زمن تكثر فيه الادعاءات العلمية، ومع زيادة عدد الباحثين، وزيادة عدد الأبحاث، وحدة التنافس، وسرعة انتقال المعلومات، وكثرة المواقع التي تقتات على الأخبار العلمية، فإن كثيرا مما يعرض لنا من عناوين براقة تُخفي خلفها تفاصيل يذهب معها ذلك اللمعان.

وعليه فإننا بحاجة إلى وعي علمي أفضل عن الإحصاء وطرقه المستخدمة في الأبحاث والدراسات؛ لكي لا يبني أحدنا رأيه وعلمه أو قراراته على دراسات خاطئة.

499