الصورة الذهنية -المباشرة وغير المباشرة- التي تتكوّن في عقول الناس عن الشعوب والحكومات والمنظمات؛ يمكن إعادتها وتعديلها وتطويرها بواسطة عمليات ومبادرات اتصالية ناجحة، ووفق رؤى وبرامج وطنية طموحة ومتفائلة، وعادةً ما تُبنى هذه الصورة على خبرات الإنسان السابقة، وتجاربه، وعلاقاته، ومشاهداته، وحواسه، ومعلوماته، حيث يتم استقبال تصوراته على ما يجري حوله من أحداث ومواقف وقرارات، وتفسيرها بطريقة تضيف إلى التصور الحالي الموجود لديه معلومات جديدة، أو تدعم ذلك التصور، أو تحدث مراجعات محدودة عليه، أو ينتج عنها إعادة بناء كامل لذلك التصور.
وهناك صور ذهنية عدة يمكن للإنسان التحول إليها بحسب التراكم المعرفي أو الفلسفي الموجود لديه أثناء التعاطي مع المتغيرات، أو ربما الأزمات التي يستدعي معها التاريخ والجغرافيا أحياناً، وربط التحولات بينها، وبناء العلاقات معها؛ فهناك (الصورة المـرآة)، وهي الصورة التي يرى فيها الإنسان أو المجتمع نفسه من خلالها، و(الصورة الحاليـة) التي يراك فيها الآخرون، و(الصورة المرغوبة) التي تود تكوينها في أذهان الجماهير، و(الصورة المُثلى) أو المتوقعة التي تأمل الوصول إليها والالتزام بها، و(الصورة المتحددة) التي تحمل معها في نهاية الخلاف أو الاختلاف موقفاً سلبياً أو إيجابياً منها.
والصورة الذهنية عن مجتمعنا في الغرب والشرق بدأت تتشكّل مؤخراً بطريقة مختلفة، وواعية، فلم تعد صورة النفط مترسخة مثل ما كانت منذ عقود، وتصوير المواطن على أنه يملك بئراً نفطياً أمام منزله، أو أنه يملك المال الوفير الذي يمكن استغلاله، أو حتى الشروع في سرقته، بل على العكس أصبحت شعوب العالم بفضل تقاربها التقني، وأيضاً بما نحمله نحن من أفكار تنويرية، ومشروعات تطويرية، وبرامج ورسائل إنسانية؛ أن نحدث تغييراً إيجابياً في نظرة العالم للسعودية الجديدة، وجيلها الشاب الطموح، وقيادتها الواعية التي بدأت تسوّق حضورها في الفعل وليس ردة الفعل.
اليوم أمام صورة العالم الذهنية عن المملكة نحتاج معها إلى مشتركات وجسور واتصال أفقي يتمدد على أكثر من صعيد، ويأخذ مساره نحو بناء ثقافة تعاطي مع المشهد السعودي الحالي، فالعالم يشاهد المرأة السعودية تشارك في دورة الألعاب الأولمبية، وقبل ذلك صانعة قرار في مجلس الشورى والمجالس البلدية، وتحلّق في منجزات وطنية غير مسبوقة، ويشاهد معها الشباب السعودي في مواقع ريادة الأعمال، والتقنية، واقتصاد المعرفة، والتنافسية، ويشاهد العالم أيضاً وطناً يتحول من الرعوية إلى الإنتاجية، ومن الإنفاق إلى كفاءة الإنفاق، ومن مصدر نفطي وحيد إلى مداخيل متعددة كانت الرسوم الأخيرة واحدة منها، وهو مع كل ذلك وطن آمن ومستقر وخادم لمقدسات المسلمين، وهذه التفاصيل وغيرها كثير -كما في رؤية المملكة 2030- تركت العالم يغيّر صورته، ورؤيته، وتعامله أيضاً؛ فلم يعد منساقاً مع الشائعات بالحجم نفسه الذي كان سابقاً، أو منحازاً لمواقف سلبية وأجندات سياسية ضد المملكة، وإنما أصبح مدافعاً عن الحقيقة في كثير من الأحيان، وموثقاً لها، ومتضامناً معنا وهذا هو الأهم في هذه المرحلة.
الفعل والمبادرة الثقافية التي تركها سوق عكاظ كانت تحمل معها أيضاً رسائل تغيير للصورة الذهنية عن المملكة؛ فالتاريخ يمكن أن يعود بإرثه وقيمه ويترك مساحة للتلاقي والتعايش والتعاطي مع الحاضر بلغة يفهمها الجميع، فالعالم يرى في عكاظ -كما هي الجنادرية من قبل- صورة أخرى من السعودية المتجذرة في عمق الحضارة الإنسانية، وموسوعة من الثقافة المتعددة، وإنساناً صانعاً للأمجاد رغم التحديات، وقادراً على أن يعيش بكرامته ورغد عيشه بوجود النفط أو عدمه، محافظاً على ثوابته الدينية والوطنية وهما الأساس التي ستكون معها الصورة مبروزة ومتميزة؛ لأن السعودية ستبقى صاحبة مبدأ ورسالة، وأيضاً ثقافة تتشكّل معها صور متجددة ومتحضّرة ومتفائلة بمستقبل أفضل.
1
الله يسلم هلعلمه تنقط فلسفه
2
فلسفه فارغه