كانت الرؤيا حاضرة في سجالات المذاهب للمفاضلة والقرب إلى روح الشرع كما ورد ذلك في كتب الفضائل والخصائص، وقد ذكر حسن البنا رؤيا تسببت في انضمامه الى الطريقة الحصافية وذلك بعد ما كان يسمعه حسن البنا من والده وآخرين..

لعل البعض سيستغرب هذا العنوان إلا أن هناك حقيقة قد تغيب عن كثير ممن يتناولون الجماعات الإسلامية بالدراسة والبحث وهي دور المنامات في تشكيل الفكر والمواقف والقناعات وهذا التوجه نحو المنامات ليس بجديد في حراك الفعل السياسي أو العقائدي في تراثنا، فكثيراً ما استغلت المنامات لدحض حجة أو لتشريع فعل تعبدي مثل الرؤى التي تروى لإقامة أضرحة يقصدها عوام الناس ويحكون من خلالها الكرامات والخوارق. هذه الأمور غالبا تبدأ برؤيا أو منامات وتنتهي بفعل تشريعي ليس من الدين. على كل حال ليس هذا حديثنا وإنما كلامنا حول حسن البنا وعلاقته بالرؤيا أو دور الرؤيا في حياة حسن البنا وتبدأ مسيرة حسن البنا مع الرؤيا بالرؤيا التي رأتها جدته لأبيه أحمد عبدالرحمن البنا الساعاتي وكان لها دور في تحويل مسار حياة البنا الأب وقد رأت الجدة وهي حامل رؤيا تخبرها ان المولود القادم ذكر وانها يجب ان تسميه احمد ويجب أن يحفظ القرآن وهكذا تحول مسار البنا الأب من فلاح الى طالب علم شرعي كما أرادت الجدة وذهب أحمد عبدالرحمن البنا الساعاتي إلى الكُتاب وهو بعد في سن الرابعة وحفظ القرآن مبكرا وشب أحمد البنا الساعاتي وتاقت نفسه الى الاستزادة من طلب العلم الشرعي فسافر الى الإسكندرية وتعلم هناك بعض العلوم الشرعية وطور مهارته في تصليح الساعات.

إن الرؤيا التي رأتها أم أحمد البنا وجدة حسن البنا هل كان الناس سيتناقلونها لولا وجود أتباع أوفياء تتبعوا جميع تفاصيل حياة حسن البنا الحفيد، وهذا يذكرنا بمقولة سبب عدم انتشار مذهب الليث بن سعد وذلك لعدم وجود الأتباع ولو تأملنا سبب انتشار مذاهب فقهية دون مذاهب أخرى مثل مذهب الأوزاعي أو مذهب الليث بن سعد أو مذهب "أبو ثور" أو مذهب محمد بن جرير الطبري، كل هذه المذاهب الفقهية كانت موجودة ومدونة أقوالها إلا أنها لم تنتشر ولم يكن لها أتباع إلا القليل. فبعد القرن الخامس تقريبا اجتمع جمهور أهل السنة واستقروا على المذاهب الأربعة المتبوعة وانتشرت كتب الفروع ولعل آخر من جمع فقهه في كتاب مصنف على الأبواب المتعارف عليها بين مدوني الفقه هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل الشيباني بعد أن كان مصنفاً على شكل أسئلة لتلاميذه ومقلديه.

وقد كانت الرؤيا حاضرة في سجالات المذاهب للمفاضلة والقرب إلى روح الشرع كما ورد ذلك في كتب الفضائل والخصائص، وقد ذكر حسن البنا رؤيا تسببت في انضمامه الى الطريقة الحصافية وذلك بعد ما كان يسمعه حسن البنا من والده وآخرين من كرامات ومواقف للشيخ حسنين الحصافي الذي تنسب له الطريقة الحصافية وهو أصلا شاذلي الطريقة ثم استقل به أتباعه عن الطريقة الشاذلية واتبعوا طريقة الشيخ حسنين الحصافي. يقول حسن البنا في كتاب مذكرات الدعوة والداعية (.. وزادني تعلقاً بالشيخ الجليل رحمه الله - أنني رأيت في هذه الأثناء، وعلى أثر تكراري للقراءة في المنهل، فيما يرى النائم: أنني ذهبت إلى مقبرة البلد فرأيت قبراً ضخماً يهتز ويتحرك، ثم زاد اهتزازه واضطرابه حتى انشق فخرجت منه نار عالية امتدت إلى عنان السماء وتشكلت فصارت رجلاً هائل الطول والمنظر واجتمع الناس عليه من كل مكان فصاح فيهم بصوت واضح مسموع وقال لهم: أيها الناس: إن الله قد أباح لكم ما حرم عليكم، فافعلوا ما شئتم. فانبريت له من وسط هذا الجمع وصحت في وجهه" كذبت" والتفتُّ إلى الناس وقلت لهم: "أيها الناس هذا إبليس اللعين وقد جاء يفتنكم عن دينكم ويوسوس لكم فلا تصغوا إلى قوله ولا تستمعوا إلى كلامه" فغضب وقال: "لا بد من أن نتسابق أمام هؤلاء الناس فإن سبقتني ورجعت إليهم ولم أقبض عليك فأنت صادق". فقبلت شرطه وعدوت أمامه بأقصى سرعتي. وأين خطوي الصغير من خطوه الجبار، وقبل أن يدركني ظهر الشيخ - رحمه الله - من طريق معترض وتلقاني في صدره واحتجزني بيساره ورفع يمناه مشيراً بها إلى هذا الشبح صائحاً في وجهه: اخسأ يا لعين، فولى الأدبار واختفى، وانطلق الشيخ بعد ذلك، فعدت إلى الناس وقلت لهم: أرأيتم كيف أن هذا اللعين يضلكم عن أوامر الله، واستيقظت وكلي شوق وتقدير وترقب لحضور السيد عبدالوهاب الحصافي نجل الشيخ -رحمه الله- لأراه وأتلقى عنه الطريق ولكنه لم يحضر هذه الفترة). وتوثقت صلة الشيخ البنا بالطريقة الحصافية وقرأ سيرة حسنين الحصافي يقول: "وفي هذه الأثناء وقع في يدي كتاب المنهل الصافي في مناقب حسنين الحصافي وهو شيخ الطريقة الأول - ووالد شيخها الحالي السيد الجليل الشيخ عبدالوهاب الحصافي مدّ الله في عمره ونفع الله به - والذي توفي ولم أره حيث كانت وفاته الخميس 17 من جمادى الآخرة 1328 الهجرية"، وقد يتساءل البعض عن مدى قرب هذه الطريفة من البدع كما تعودنا من عوام أهل الطرق الصوفية من مبالغات وشطح يخالف روح الشريعة وما وجدته من سيرة الشيخ حسنين الحصافي في المنهل الصافي وسلوك أتباعه انهم أقرب إلى التهذيب والتسليك الزهدي التربوي منه إلى التصوف البدعي المغرق في الممارسات البدعية فهم أقرب إلى الزهد منهم إلى التصوف الشعبي خصوصاً وان الشيخ احمد البنا الساعاتي سلفي التوجه وأقرب ما يكون الى الخط السلفي الحنبلي وله إجازات لمجموعة من العلماء تدل على أنه سلفي من أهل الحديث حتى انه اعتمد في ترتيبه لمسند الإمام أحمد "الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني" على كتاب المنتقى للمجد لابن تيمية جد شيخ الإسلام أحمد بن تيمية.

naser.zaha@gmail.com