في خطوة تعكس حرص القيادة الحكيمة على حلحلة إشكالات ملف الإسكان لتحقيق الأمن الاجتماعي للمواطنين، أقر مجلس الوزراء الموقر مؤخرا «اللائحة التنفيذية» لنظام رسوم الأراضي البيضاء، بعد أيام من الموافقة على «برنامج التحول الوطني»، والذي طرحت عبره وزارة الإسكان مبادرات تهدف استراتيجيا إلى تحفيز المعروض العقاري ورفع إنتاجيته لتوفير منتجات سكنية للمواطنين بالسعر والجودة المناسبة، وبالتالي تمكينهم من الحصول على مسكن ملائم، وتأمل برفع نسبة التملك إلى (52%) بحلول 2020.

بصدور اللائحة التنفيذية تكتمل صورة الغاية من النظام، والرامية إلى مكافحة الممارسات الاحتكارية لاكتناز الأراضي البيضاء، خصوصا عندما تكون محاطة بالخدمات والمرافق ولكن غير مستفاد منها وتتصاعد أسعارها فلكيا، وهو ما يفسر تدخل الدولة لإجبار ملاك هذه الأراضي إما بدفع رسوم عليها والاستمرار باكتنازها، أو تحفيزهم للقيام باستثمارها عبر تطويرها، أو ببيعها لمن يمكنه القيام بتطويرها وضخها في السوق العقاري، مما سيسهم في إيجاد بيئة جاذبة للاستثمار العقاري وتنافسيتها، وبالتالي سينعكس على تحقيق معادلة التوزان بين الطلب والعرض في السوق العقاري، وكذلك تحسين أداء القطاع العقاري ورفع مساهمته في الناتج المحلي.

تطبيق رسوم الأرضي البيضاء سيكون وفق «نطاق جغرافي» حددته الوزارة مباشرة بعد صدور اللائحة التنفيذية، والذي بحسبها يستهدف في البداية كل من مدن الرياض وجدة وحاضرة الدمام، وستليها مدن أخرى بحسب الحاجة لتطبيق الرسوم؛ حيث وضعت اللائحة ضوابط لتطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء على أربع مراحل، الأولى منها وتشمل الأراضي غير المطورة بمساحة (10000م²) فأكثر متى كانت واقعة ضمن «حدود النطاق الجغرافي»، والذي أعلنت الوزارة عن حدوده في وقت لاحق، ولكن نرى أنه كان هناك تحفظ جدا في تحديده، مما بالتالي سوف يقلل من سرعة تأثير الرسوم في إعادة التوازن للسوق؛ وقد شرعت الوزارة فعليا في (10) رمضان بتطبيق المرحلة الأولى من الرسوم عبر احتساب مهلة (6) أشهر ليتقدم ملاك الأراضي البيضاء غير المطورة للإبلاغ عن أراضيهم الواقعة ضمن النطاق الجغرافي المعلن عنه؛ بعدها يتم تقدير القيمة العادلة للأرض الخاضعة للرسم وفق لجنة أو أكثر تشكل في الوزارة وفقا للمعايير والضوابط المذكورة في النظام، ومن ثم يصدر قرار الوزارة بالرسم المطلوب على الأرض البيضاء، ويمهل المالك سنة لتطوير الأرض وتحويلها إلى مخطط مطور وصالح للسكن والبناء بإيصال المرافق والخدمات إليه؛ وفي حالة عدم الالتزام بما سبق، يصبح الرسم المقرر مستحق الدفع خلال سنة من تاريخ استحقاقه.

التجارب تؤكد أن تطبيق أي قانون هو المحك الحقيقي لسبر أغوار ما قد تحمله حيثيات مواده من إشكالات في التطبيق ونصوصه من ثغرات في الخطاب، أخذا في الاعتبار أن اللائحة التنفيذية ليست نهاية المطاف في مسألة تطبيق الرسوم، أو حلحلة مشكلة الاسكان، فما زال الأمر بجانب الحاجة لمبادرات وبرامج أخرى، يستلزم سن قواعد وضوابط فنية مكملة للائحة للتعاطي مع حالات مثل الإعفاء من الرسوم ونحو ذلك؛ لكن ومما يؤخذ على اللائحة من ملاحظات هو المبالغة في تحديد «مساحة» الأرض البيضاء كوعاء لتطبيق الرسم، ولا نعلم ما هو الأساس أو المعيار الذي على ضوئه استقر عليه تحديدها عند مساحة (10000م²) وأكثر، وفي اعتقادي أن المعيار الصحيح لتحديد المساحة هو ربطها بالمساحة التي تنسجم مع معدل رغبات التملك للمواطن العادي، أو المساحات الأكثر طلبا للتملك والبناء، وتلك ليست قطعا مساحة (10000م²)، وبالتأكيد ليست كذلك مساحة (5000م²)، فما «تحلم» به شريحة كبيرة من المواطنين أزعم أنه أرض لا تتجاوز مساحتها (500م²)، وهي بالمناسبة تقارب المساحة التي اعتمدته الوزارة نفسها في بعض مشاريعها من بناء وحدات سكنية بمساحة لا تتجاوز (400م²)، فكيف نوفق بين ذلك وما انتهت إليها اللائحة من مغالاة في المساحة لتطبيق مراحلها وتحقيق الفائدة المرجوة من تطبيق الرسوم؟! أيضا وفنيا لا يوجد هناك ضابط مؤسساتي يبين ويحدد اطار الحاجة للعمل بمرحلة من مراحل تطبيق الرسوم دون أخرى سوى معيار «التوازن بين العرض والطلب»، ولهذا قد يقول قائل إن المنطق وتحقيقا للتوازن نتيجة سرعة التأثير في معادلة العرض والطلب يقتضي مثلا البدء بتطبيق المرحلة الثالثة بدلا من الأولى والتي تشمل الأراضي المطورة بمساحة (5000م²) في مخطط واحد.

DrAlmuraishedS@gmail.com