ما بين الخميس الماضي واليوم أسبوع حزين، خلاله فقدنا رجلا ليس كالرجال.

الكل يعرف سليمان السليم الرجل العلم وزير التجارة السابق ووزير المالية، الكل يتذكر تلك الحقبة الجميلة في تاريخ المملكة حيث شباب دكاترة واساتذة جامعات قادوا الدفة الوزارية، ليبحروا نحو المستقبل، ويقدموا برامج ثقافية اقتصادية تجعلنا نتحلق حول التلفزيون، فالحديث جديد والفكر الذي نسمعه قد نتحدث به في بيوتنا لكنا لا نسمع هذه اللهجة المشربة بالعلم والتجديد.

صار هنالك تجديد وتحديث لدولة علمية وعملية، وكان أحد أوجه التطور سليمان عبدالعزيز السليم الشاب الطموح المبتسم حامل الدكتوراه. رجل صامت يعمل بعيدا عن الوهج. يؤسس بعيدا عن التنظير، ثم يترك الوزارة ليتفرغ للتعليم الجامعي. ويؤسس شباب أمة جديدا.

كل هذه السيرة معروفة في كل مكان لكن لا أحد يعرف أبا باسل مثل الذين عايشوه عن قرب منذ البدايات، صاحب الابتسامة التي لا تغادر وجهه، والتي يراها لازمة للجمال (يقول لبناته وهن بطريقهن لمناسبة: ترى أجمل زينة الابتسامة).. بيت الملز الصغير بالحجم الكبير بالحب واحتضان شباب الجامعات والثانوية المقررات القادمين من خارج الرياض من الاهل والاقارب كان نعم المضيف والموجه لمن يحتاج لتوجيه. كان البيت خلية نحل مساء بينما يكاد يفرغ صباحا.

نورة أم باسل الزوجة الطيبة العاملة والأكاديمية خير معين تسعد لوجودهم ولم تضجر وتبذل مثل ما يبذل..

أبو باسل يجد وقتا كبيرا للقراءة، ليس فقط عبر الصحف العالمية، بل حتى المحلية، وكم أفرحني بتعليقاته على مقال كتبته.. وتحدثني عنه ابنته لميس كيف أنه يطلب الكتب حال صدورها.

ثلاثه اشهر مضت كف المرض يدي عن الكتابة وشل تفكيري ولكن اتت الصدمة القوية التي وجدت نفسي بمواجهة الجهاز لأقول كلمة صدق بالرجل الرائع. الذي نستودعه الرحمن صدمة أصمتت قلب الرجل الباسم. ابو باسل الذي حوى الكثيرين هذا الرجل الاستثنائي هو مجموعة رجال في رجل واحد، العالم والمفكر والمثقف والإنسان، وصفة الإنسانية هي من أجمل صفاته رحمه الله وغفر له وصبر محبيه على فراقه.

أذكر أشياء صغيرة وبسيطة عنه الإنسان البيتوتي وعلاقته الجميلة بذوي بيته، بناته وأخواته وبنات أخواته كم كان رؤوفا رحيما بالصغيرات يعطف ويحن ويشرح ويساعد. ما أذكره أن لينا ابنته الكبرى لم تبلغ العاشرة عندما صنعت أول شاي في حياتها، لم تصبر الصغيرة ليغلي الماء وضعته فاترا ووضعت عليه الشاي وأتت تحمل الصينية، ضحك الموجودون من شاي لينا إلا أباها شربه وبتذوق قال هذا أحسن شاي ذقته كل مرة أريد مثل شاي لينا، أفرح لينا وذهبت علامات الحرج من الموجودين، وده وتشجيعه لبناته أوصلهن لأعلى الدرجات العلمية برزت أسماؤهن وخاصة لميس في مجال علم النفس.

حكاياته مع بناته ولطفه كثيرة.. أتذكر كنت انتظر ولادة نوره كلمني رحمه الله وقال (بنت كالقمر) كانت ولادة ثالث البنات سارة الجميلة.

رجل هاش باش وشائج طيبة تربطه بمن حوله جميعا روحه الطيبة ترفض أن يحضر السائقون لمنزله ثم يعودون دون عشاء، فيوبخ سارة إن تاخرت عنهم فيه.

د. أسعد الشملان قال الكثير بحكم قربه منه عن نواحي الانسانية في ندوة بمركز الجاسر. إنه ليس رجل دولة ووزارة بل رجل يهتم بكل شيء في بيته.

الصبر والسلوان لك يانورة وكل العزاء.

لله درك يا نورة، فقد فقدت رجالا في رجل.