نعم، تمر كل البلدان بمراحل قليلة أو كثيرة من التلاعب والتسيّب، بل والمجاملات المضحكة أحيانا.

فقد كنا في لندن – أذكر – تحضر إلينا وفود من وزارات شتى من بلدنا. الكل في مهام رسمية كالتعاقد مع مدرسين أو طلب خبراء، أو تتبّع بعض المسائل التي جرت مناقشتها بين بريطانيا والمملكة تتعلق بأعمال إنشاءات هندسية أو غير ذلك. والملاحظ أن المنتدب له صلاحية العلاج وترك المكتب الثقافي يحاسب المستشفى بعد الاتفاق والتعميد من الجهة التي انتدبته. أكثرهم يؤجلون العلاج لحين انتهاء المهمة التي قد تأخذ يومين فقط، بينما العلاح يمتد (حسب الحاجة). ورأيث فاتورة بوكيه ورد أرسلها واحد من الموظفين المتعالجين إلى بعض طاقم المستشفى، لكن المكتب طلب من مؤسسة تجهيز الورود إعادتها إلى عميلهم ومطالبته بها، بما أنها لا تدخل ضمن العلاج!.

الحديث عن التسيب لا يخص مجتمعا ما أو دولة معينة؛ لأنه أصبح ظاهرة شملت مناطق أخرى من العالم وربما أن هذا هو الذي شجّع تركهُ يسري في عروق المجتمعات البشرية، وأخذ أبعادا واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف شموليتها من مجتمع إلى آخر.

وقد حظيت ظاهرة التسيب، المعجونة بنكهة "المجاملة" و "حب الخير" باهتمام واسع من قبل الباحثين ومن مختلف الاختصاصات في العلوم الإدارية، والاقتصادية، والقانون، وعلم الاجتماع، وعلم النفس للتعريف بالمخاطر والآليات والمسببات وكيفية المساهمة في المعالجات للحد من آثاره السلبية.

إن الآثار السلبية المترتبة على التسيب ومنها الفساد الإداري والمالي بصورة خاصة تعتبر من أهم العوائق للتنمية في الدول الحديثة، لذا انصبت المبادرات والجهود للتأكيد على نشر الوعي بمخاطر وعواقب الفساد على مستقبل هذه الدول، وبالأخص المخاطر الاقتصادية والاجتماعية، وبفضل هذه الجهود المبذولة في العقد الماضي والحالي تم تحجيم هذه الظاهرة الآن نوعا ما، حيث أصبحت مسؤولية عالمية وأخلاقية لكافة المنظمات الحكومية وغير الحكومية (منظمات المجتمع المدني).

لقد انضمت ما يقارب من (90) دولة في الاتفاق على وثيقة العهد الدولي للأمم المتحدة وبتوقيع (1700) عضو على ضرورة دعم الجهود المبذولة لمكافحة ظاهرة الفساد والتسيب الإداري. وظهرت منظمات مثل الشفافية العالمية وغيرها تجاهد على أن تحصر الآثار المضرّة في النشاط البشري الإداري. ونقول: كان الله في عونهم فمهمتهم صعبة.

binthekair@gmail.com