علاقة معقدة بين الإنسان وعلم السياسة بسبب عدم نجاح القناعات وتدني مستوى الثقافة السياسية والصراع الطبقي المنبثق من الصراع الأيديولوجي وهيمنة الدول العظمى على المجتمع الدولي المعاصر الذي يمارس الإمبريالية والهيمنة غير العادلة على دول الشرق بكل أبعادها، ما يجعل تنظيم هذه العلاقة شائك في ضوء الظواهر السياسية، وما نتج عنها في ظل المتغيرات والحروب غير المتكافئة.

ولعل ما حل بالكوريتين بعد الحرب العالمية الثانية، من أهم الأمثلة على الصراع الأيديولوجي، بعد أن تقاسمت القوتان الاستعماريتان العظيمتان (أميركا والاتحاد السوفياتي) الدور في هاتين الدولتين، لتعبرا عن حجم الصراع بين فكرين رئيسين سادا العالم لحقبة طويلة ولتتحول الكوريتان إلى أشبه بمناطق  احتلال، واضعين الأساس لحرب أهلية، فمن الطبيعي أن تظل أهداف الاستعمار هدف عدو مستتر يعمل على مصالحه الأولية رغم أن السياسات والأفعال التي تمت قد ساهمت في ترسيخ الانقسام فكان أول قرار اتخذه الأميركيون هو إعادة عدد كبير من الإداريين اليابانيين ومساعديهم الكوريين الذين كانوا في السلطة أثناء الفترة الاستعمارية، كما رفضت الإدارة الأميركية الاعتراف بالتنظيمات السياسية التي أنشأها الشعب الكوري، وقد أدت هذه الإجراءات إلى أشياء غامضة لم يستطع الشعب الكوري فهمها إضافة إلى الاضطهاد الياباني الرهيب المؤدي إلى عدد من الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية والعمالية.

واستمر العداء والتحديات بين الاتحاد السوفياتي وأميركا، فالأمور التي لا تخاطر بها الدول المستعمرة لا تندم عليها.

استعمر السوفيات كوريا الشمالية حيث شهدت أضواء متلألئة من الصناعات، وتقشفا لا يؤدي إلى اكتفاء ذاتي وقدرة على توفير الأساسيات بعد انتهاء الاستعمار وما خلفه من تبعات جرى على أساسها كثير من الفروق والمقارنات بين الشمالية والجنوبية، ليصبح من الواضح أن كوريا الجنوبية ذات سيادة، ويعيش سكانها حضارة وتطورا ورفاهية وتقدما مشهودا لا يخفى على العالم، كما أن اقتصادها متكامل ويحتل المركز الرابع على مستوى آسيا.

ولو نظرنا إلى نظام الحكم لوجدناه جمهوريا رئاسيا دستوريا، يخالف الحكم الاستبدادي المتعنت والمتشدد سياسيا واجتماعيا، الفقير تقنيا في كوريا الشمالية، ما شكل هوية المجتمع في بلدين متجاورين ليظهر التباين بين مواطن سعيد متفائل وآخر بائس ومتشائم، وإنسان يعشق الحياة وآخر يفكر بالدمار، ومجتمع حر منفتح وآخر يحاصره الانغلاق والقيود في كل ممارساته اليومية.

من هذا المنطلق يظل النمط السيكيولوجي بكل وظائفه يقود إما للخروج من الحياة السياسية الاستعمارية بروح سليمة متعافية، أو يظل يعيش النمط نفسه دون تغيير من أجل شكليات قديمة كما هي الحال في كوريا الشمالية، إذ تعمل على إنشاء جيش ضخم تحسبا للحرب، ما يجعله الخامس عالميا من حيث القوة والعدد والمفاعلات النووية التي أخضعتها إلى العقوبات بعد فشل المفاوضات ومنعهم من التصنيع النووي، لذا نجدها تهدد بين الفينة والأخرى الولايات المتحدة ليستمر الصراع الأيديولوجي في العالم.

ومن هنا يظهر أثر السياق الاستعماري في صياغة الهويات والقوميات التي تتعدى أنظمة الدولة إلى سلوكيات الفرد، إذ إن المجتمعين الكوريين، قبل الاستعمار، يملكان الكثير من الخصائص المتشابهة بحكم التقارب المكاني والعرقي، بل إن الدولتين كانتا في الماضي دولة واحدة قبل أن تنفصلا إلى واحدة شيوعية "الشمالية"، وأخرى رأسمالية "الجنوبية"، إلا أن التباين الذي زرعه الاستعمار في عمق هذا النسيج المتصل، يشير إلى قوة تأثيره التي تنطوي على عدد من العوامل المؤثرة وترتبط بطبيعة المستعمر وقدرته في صوغ الهويات من خلال العديد من المؤسسات الاستعمارية التي يأتي في مقدمتها المؤسستان العسكرية والقانونية، فضلا عن التركيبة السيكيولوجية للمجتمع في الكيانات المستعمرة.

new.live911@hotmail.com