لا يمر عام إلا وقد واجهت كل أسرة حصتها من نزلات البرد والتهاب الحلق والانفلونزا، لكن هل تتوقع أن يتم صرف وصفة طبية لمضاد حيوي عند مراجعة الطبيب في هذه الحالات؟. الكثير من الناس يغادرون عيادة الطبيب بحالة من الامتعاض أو حتى بحالة من الغضب وعدم الرضا عندما لا يعطي الطبيب وصفة طبية لمضاد حيوي، وقد يجهل البعض حقيقة أن الطبيب قد قدم معروفا لعدم وصف المضاد الحيوي لهم.
وقد استخدمت المضادات الحيوية لأول مرة في أربعينيات القرن الماضي وهي بالتأكيد واحدة من أهم الاكتشافات الكبيرة في مجال الطب، لكن الافراط في استخدامها أدى إلى زيادة مقاومة البكتيريا لها، وتصبح تلك البكتيريا لا تستجيب للمضادات الحيوية التي كانت تستعمل لعلاجها فيما مضى، أضف إلى ذلك أنه كلما أخذ الأطفال المضادات الحيوية يصبحون عرضة لخطر الآثار الجانبية، مثل اضطراب في المعدة والإسهال أو حتى رد فعل تحسسي، ولفهم كيفية عمل المضادات الحيوية، فإنه يجب علينا معرفة النوعين الرئيسيين من الجراثيم التي يمكن أن تجعل الناس تمرض، وهما البكتيريا والفيروسات، وعلى الرغم من أن بعض أنواع البكتيريا والفيروسات تسبب أمراضا بأعراض مشابهة لبعضها البعض، لكن هناك اختلافات بينهما بطريقة التكاثر وطريقة التسبب بالأمراض، فتعتبر البكتيريا كائنات حية وحيدة الخلية، حيث أنها تتواجد في كل مكان، ومعظمها لا يسبب أي ضرر للانسان، بل إنها تكون مفيدة في بعض الحالات كالبكتيريا المفيدة التي تعيش داخل أمعاء الانسان والتي تساعد على هضم الطعام، لكن بعض أنواع البكتيريا تعتبر ضارة لجسم الإنسان، وتسبب الأمراض عبر تدخلها في عمليات الجسم الحيوية، والمضادات الحيوية هنا تكون فعالة ضد هذه الأنواع منها من خلال وقف نموها وتكاثرها، وفي المقابل تعتبر الفيروسات جسيمات تحتوي على المادة الوراثية ملفوفة بمعطف من البروتين، ولا تتكاثر إلا داخل الخلايا الحية الأخرى، والمضادات الحيوية لا تعمل على وقف نموها وتكاثرها، بل ان مناعة الإنسان تحاربها أو عن طريق تعزيز المناعة باستخدام اللقاحات.
إن تناول المضادات الحيوية لنزلات البرد والأمراض الفيروسية الأخرى لا يكمن خطرها بأنها لا تعمل فقط، ولكن يمكن أيضا أن يكون لها آثار جانبية خطيرة مع مرور الوقت، فإن هذه الممارسة تساعد فعلا على خلق البكتيريا التي يصعب معالجتها لاحقا، فالاستخدام المتكرر وغير الملائم للمضادات الحيوية يمكن أن يجعل البكتيريا أو الجراثيم الأخرى مقاومة لها بحيث لا تستطيع تلك المضادات وقف نمو البكتيريا، وهذا ما يسمى بالمقاومة البكتيرية أو المقاومة للمضادات الحيوية، علاج هذه البكتيريا المقاومة يتطلب جرعات أكبر من أدوية أو مضادات حيوية أقوى، ولذلك السبب أصبحت بعض أنواع البكتيريا تظهر مقاومة للمضادات الحيوية المتاحة اليوم.
المقاومة للمضادات الحيوية مشكلة واسعة الانتشار، حتى ان بعض المنظمات الصحية العالمية كمنظمة الصحة العالمية ومركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها قالت أنها "واحدة من مشاكل الصحة العامة الأكثر إلحاحا في العالم." فالالتهابات الرئوية والتهاب السحايا والتهابات الجلد والسل أصبحت معالجتها صعبة بسبب مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية المتوفرة الآن، وبالإضافة إلى مقاومة المضادات الحيوية، يمكن أن يتسبب الافراط باستخدام المضادات الحيوية إلى مشاكل أخرى، فالمضادات الحيوية تقتل العديد من أنواع البكتيريا المختلفة، حتى الجيدة منها التي تساعد على الحفاظ على صحة الجسم، في بعض الأحيان تناول المضادات الحيوية يمكن أن يسبب الإسهال بسبب عدم وجود البكتيريا الجيدة التي تساعد على هضم الطعام بشكل سليم.
يجب تناول المضادات الحيوية فقط على الالتهابات البكتيرية، بل يفضل ترك الأمراض الخفيفة وخاصة تلك التي يكون سببها الفيروسات تأخذ مجراها، فهذا يساعد على منع البكتيريا من مقاومة المضادات الحيوية، ولكن يجب ترك القرار للطبيب ما إذا كان المرض خفيفا (معتدلا) أم لا وقرار صرف المضاد الحيوي.
التمس المشورة واطرح الأسئلة من وعلى الطبيب، اسأل طبيبك حول ما إذا كانت العدوى بكتيرية أو فيروسية، واسأل دائما عن الآثار الجانبية والمنافع والمخاطر عند استعمال المضاد الحيوي، وتذكر ألا تصر على طبيبك أن يصف المضادات الحيوية إذا لم تدعُ الحاجة إلى ذلك.
إسأل طبيبك عن طرق أخرى لعلاج الأعراض التي تجعلك غير مرتاح، مثل انسداد الأنف أو التهاب في الحلق، المفتاح لبناء علاقة جيدة مع طبيبك هو التواصل بكفاءة، بحيث يعمل المريض والطبيب معا لتحقيق هذا الهدف.
تذكر أن المضادات الحيوية تعالج فقط العدوى البكتيرية إذا أخذت الجرعة بشكل سليم وكامل، اسأل الصيدلي عن إرشادات الطريقة السليمة لتناول المضادات الحيوية ولا تتردد إذا كنت غير متأكد، والأهم من ذلك، لا تستخدم المضادات الحيوية إذا تم صرفها لمريض آخر أو لأحد أفراد عائلتك.
المضادات الحيوية هي أدوية تستخدم لعلاج الالتهابات التي تسببها البكتيريا، وقد ساهم سوء الاستخدام والإفراط في استخدام هذه الأدوية إلى الظاهرة المعروفة باسم المقاومة للمضادات الحيوية، هذه المقاومة تتطور عندما تتغير البكتيريا الضارة بطريقة تلغي أو تقلل من فعالية المضادات الحيوية.
- قسم مكافحة العدوى
1
ثامر الجعفر
2016-05-16 00:35:45مقال جميل جدا ولابد من التركيز على توعية المجتمع....
2
Mj
2016-05-14 09:33:06موضوع أكثر من رائع لعله يغير نظرة المجتمع لهذه المضادات
سلمت يداك استاذ خالد