القيمة تلعب دوراً هاماً في حياة الإنسان وتفاعله، وتؤثر على تفرده وتميزه عن غيره، إذ بإمكانه أن ينتج مفاهيم مختلفة تتولى تنظيم شؤونه وتحدد حقوقه وواجباته أي يكون حيث انتمائه وسيادته، ويخفي ما بحوزته من عثرات وذنوب. فكلما انكشف الموجود داخل القيمة تطلب أدوات ووسائل تتساوى معه في المقدار والدرجة انطلاقاً من البعد الجمالي المحيط به، فضلاً عن التجربة التي تظل رهن الحقيقة والمعنى، فإذا كان "جان جاك روسو" اعتبر مقالته التي فازت بالجائزة كتابا وليس مقالة لنيل رضى الجماهير، ويقول: "هاهي مسألة من أعظم المسائل المطروحة وأجملها فالأمر لا يتعلق في هذا المقال بتلك الدقائق الميتافيزيقية التي تكتسح كل أقسام الأدب ولا تخلو منها برامج المجتمع دائماً، بل يتعلق بإحدى الحقائق المرتبطة بسعادة الجنس البشري. وأتوقع أن الموقف الذي تجرأت على أخذه لن يُغفر لي بسهولة إذ بعدما جابهت كل ما يُعجب به الناس اليوم، ما بقي لي إلا أن أترقب توبيخاً عاماً، وإن ما لقيته لدى بعض الحكماء من كرم المساندة لا ينبغي أن يجعلني أعوّل على موافقة الجمهور لي".

وبناء عليه نشير إلى أن الكاتب مازال يحرص بالدرجة الأولى على إعجاب الجمهور والسعي للمجتمع لينضم إليه على نحو متبادل ويبحث عن ثمرة أفكاره ليكون صوته مسموعاً وكتبه ومقالاته مقروءة، فثمة كثير مما تخطاه بقي في ذاكرة الزمن ولم يتم علاجه. وهذا لا يميزه عن غيره في تلك الاستراتيجيات التي يعمل عليها ويكافح من أجل تخليدها باسمه لينعم بسلام فيما يملكه، ولكنه لا يساهم في الحاجات العمومية كما هو ديدن "روسو" بل يعتمد على حقيقة ذات صيغ عديدة ومعنى واحد يربطها بالواقع، فكل عالم من العوالم الواقعية له صانع مستثمر، يستحوذ على ميول الناس ويتم تعيينه صوتاً للمواطن ويتصدر قائمة الرجال المخلصين، فالأسماء المتكررة والوجوه المألوفة في الإعلام المرئي والمقروء مقبولة ومرحب بها مهما كان نمط أو مستوى ما يكتب أو ينتج، فإن البعد التواصلي يفسح المجال للتآلف والإيثار، وكل مشروع له خطة وإستراتيجية تميزه عن سواه، هذا إذا اتفق الجميع على أن عصرنا عصر متاح لكل مستويات المواهب دون تخصص، لوفرة المعلومات وسهولة الحصول عليها، وهنا لا مكان للنجومية الإبداعية أو الندرة الفكرية.

بل هو تراكم أنتجته الأحداث والأزمات المتسارعة على الساحة المحلية والعالمية، ونجد أن بعض الكتاب امتهنوا الكتابة وتشاركوا في إدارة الهدف، لوجود معايير التعامل المختلفة والمتقاربة في المسائل الأخلاقية والمعرفية، محاطة بالأمور الدينية والسياسية مستبسلة في الدفاع عن القيم.

وفي الحقيقة لا يوجد تنوع يذكر أو ثروة ثقافية حقيقية ترفع من معنويات وقدرات وطاقات المجتمع، فكل ما هو رائج في الصحف مراقبة المسؤول وأداء الجهاز الحكومي وتحميلهم المسؤولية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فالكاتب لا يملك استراتيجيات خارقة تقدم حلولاً للعقبات والمشاكل، وإنما يملك أفكاراً منمقة تجذب القارئ وتوهمه بإدارة الفرص وترجمتها إلى عروض وبرامج فريدة.

إن التنامي الموجود بين المثقفين هو تكثيف المخاوف من الأحداث العالمية وتضاؤل التفكير الإبداعي ومهارات التفكير، نحن نريد شعباً يتفوق علمياً وثقافياً عوضاً عن زرع الخوف والبؤس في أذهانهم ووصمهم بالتخلف، الثقافة أن تربط بين المعارف المختلفة في جميع المجالات.

والمقالات التي كتبها روسو كانت في العلوم والاقتصاد السياسي وفي أصل اللغات ولم يستثمر جهده في شأن محلي فقط تتداوله جميع الأقلام لفترات زمنية طويلة كما لو كان منهجاً تعليمياً يوجب عليهم تحضيرة وتلقينه للمجتمع يومياً بالتناوب.

new.live911@hotmail.com