شهدت الجزيرة التايوانية خلال الأشهر الماضية التقلبات الانتخابية، والتي تعكس حالة القلق السياسي الذي يتملك العديد من القوى السياسية والاقتصادية، هذا القلق الذي يبدو على القوى السياسية التايوانية انعكس على الحالة الانتخابية وشعاراتها المرفوعة وعلى مفهوم: إعلان الاستقلال أموالبقاء على الحالة والوضع الحالي، وهذه الحالة التي دفعت القوى السياسية الرئيسية والقوى الاقتصادية إلى طرحها تعكس الوضع العام في هذا الجزء من العالم وتعكس بالتحديد العلاقة الصينية التايوانية، والصينية الأمريكية، والتايوانية الأمريكية، وكل هذه العلاقات المتشابكة تعكس بشكل أو بآخر عامل القلق السياسي الذي انعكس على الحال التايوانية التي شهدت شبه اضطراب سياسي حول الانتخابات ومصداقية الانتخابات.. والتي تعكس في حقيقة الأمر الشعارات والمواقف السياسية خلف هذه القرارات والتي تتراوح بين إعلان الاستقلال وبقاء الوضع على حاله، وهذا يعني استفزازاً حقيقياً للصين، وعدم معرفة الموقف الأمريكي الحقيقي من هذا الجانب، ومن جانب آخر فإن التايوانيين لا يستطيعون تحديد مدى العمق السياسي والتعاون بين بكين وواشنطن، وذلك فإن تحليل كل جزء من هذه الأجزاء بهذه العلاقة يمكن أن يوضح هذا الجانب ويساعد على الوصول إلى التصور الصحيح عن المأزق التايواني.
أولاً: العلاقة الصينية التايوانية: يبدو من خلال السنوات والعقود الماضية أن تايوان تزداد قوة وثقة بذاتها، حتى إنها أخذت مفهوم الاستقلال التام على محمل الجد وأخذت تدير علاقاتها الدولية منطلقة من هذا البعد وهذا الاتجاه، مستفيدة من حالة الحرب الباردة السابقة، ثم من علاقة التوتر بين الصين وأمريكا، ثم محاولة استخدام حالة الاستخدام السياسي التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية للورقة التايوانية تجاه وضد الصين، من أجل تغيير سياساتها واستراتيجياتها.
وعلى الجانب الآخر نجد أن السياسة الاستراتيجية الصينية لم تتغير أو تتبدل من حيث الصرامة السياسية ومطالبتها الدؤوبة والمستمرة بالوحدة الصينية وعودة تايوان إلى الدولة الأم الصين، وبالتالي فإن هذا الموقف الصارم وغير المتزحزح دفع هذه العلاقة إلى حالة التوتر هذه، بل وحالة من التهديد بأن الاستقلال التايواني يعني الاجتياح الصيني العسكري الكاسح على الرغم من القدرات العسكرية التايوانية المدربة والجيدة.
إذاً حالة عدم التنازل وتناقض الهدف بين تايوان والصين دفعت إلى هذه المواقف المتصلبة، وهذه الحالة من الترقب، بل دفعت إلى تشكل العلاقات الصينية الأمريكية والتايوانية الأمريكية.
ثانياً: العلاقات الصينية الأمريكية: لقد شكل الخلاف الصيني السوفياتي وزيارة الرئيس الأمريكي نيكسون نقطة تحول هائلة في العلاقات الصينية الأمريكية ثم التحول الهائل في نموذج العلاقات بين البلدين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبروز الصين كعملاق محتمل، وشكل البعد الاقتصادي والاستراتيجي عامل حاسم في ذهنية السياسي الأمريكي تجاه الصين، وأصبح دخول أمريكا داخل الآلة الاقتصادية الصينية مفيداً من حيث المصالح الاقتصادية، ومن حيث التأثير على مستقبل الصين السياسي والاستراتيجي، ومن هذا المنطلق أصبح الخيار عند السياسي الأمريكي هو التقارب مع الصين لأسباب اقتصادية واستراتيجية من أجل دخول السوق الواعدة، ومن جانب آخر التأثير على مستقبل الصين وتوجيه هذا التحول الصيني الهائل.
ومن جانب آخر فإن الصين رأت بالتقارب الأمريكي الصيني كذلك فرصة اقتصادية هائلة يتم الاستفادة من القدرات الاقتصادية والاستثمارية الأمريكية بشكل كبير، ومحاولة التأثير على السياسة الأمريكية ليس تجاه تايوان وتليين الموقف الأمريكي لانضمام تايوان إلى الصين، بل والتأثير على السياسة الأمريكية تجاه آسيا واليابان على وجه الخصوص.
إذاً العلاقات الصينية الأمريكية استخدمت فيها الدولتان عامل الاقتصاد والاستثمار والتقارب من أجل الفوائد الاقتصادية والتأثير السياسي والاستراتيجي من طرف على الطرف الآخر.
ثالثاً: العلاقات التايوانية الأمريكية: هذه العلاقة التي فيها اختلاف هائل وكبير حيث رأت تايوان نفسها حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة، يمكن من خلالها تمثيل المصالح الاستراتيجية الأمريكية في آسيا جنباً إلى جنب مع اليابان، ولم تستطع الرؤية التايوانية تصور أن الصين سوف تكون اللاعب الأهم في المعادلة السياسية الصينية، ولم يستطع الذهن التايواني تجاوز هذا التصور وهذه النظرة السياسية التاريخية والتقليدية.. بل ان أدوات السياسة التايوانية لم تتغير تجاه أمريكا سوى تقديم مزيد من التنازلات من أجل خدمة السياسة الأمريكية في آسيا.
ومن جانب آخر فإن السياسة الأمريكية تجاه تايوان هي استخدام الورقة التايوانية من أجل الحصول على أكبر كمية من التنازلات السياسية والاقتصادية الصينية، أي أن السياسة الأمريكية كانت وما زالت تهدف إلى استخدام الورقة التايوانية، من أجل الدخول للأسواق الصينية، ومحاولة استخدام تايوان كورقة ضغط من أجل التأثير على السياسة الصينية، سواء الداخلية أو الخارجية واستخدام الاستثمارات الاقتصادية والتعاون التقني من أجل كبح جماح السياسة الصينية تجاه القضايا الدولية، وقد نجحت هذه السياسة الأمريكية إلى حد كبير حيث نجد غياباً صينياً كبيراً في أكثر القضايا الدولية حساسية مثل العراق مقابل سكوت أمريكي عن المسألة التايوانية، ومقابل زيادة الاستثمارات الأمريكية في الصين، وزيادة التعاون الاقتصادي بين أمريكا والصين والذي يميل لكفة الصين في هذه الفترة بالذات.
إن الورقة التايوانية التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود قد تم استخدامها بشكل كبير وربما استنفدت قدراتها على الاستخدام والاستمرار وان التجربة الأمريكية في العراق والفشل الذريع قد يدفع الصين إلى مزيد من التشدد في المسألة التايوانية، ويجعل مفهوم استخدام القوة العسكرية في حالة الضرورة القصوى شيئاً ممكناً وقابلاً للتطبيق والنجاح.
لذلك فإن الورقة التايوانية يمكن القول انه قد استنفدت قدراتها السياسية والاقتصادية، وإن كان هناك حالة من الاستخدام لها يمكن أن تتحول إلى حالة من العنف أو التسليم التايواني بالانتصار الصيني الساحق والدخول في مفاوضات على أفضل الشروط الممكنة.
التعليقات