لقد حفظ عبدالعزيز المقرن القرآن في السجن، فماذا كانت النتيجة؟ كانت بأنه خرج وهو يتبنى رؤية أشد تطرفاً من رؤيته السابقة
من اللافت أن النسبة الكبرى من المتورطين في الأعمال الإرهابية هم من خريجي السجون السعودية، ولنضرب مثالاً على ذلك بكل من: عبدالعزيز المقرن، يوسف العييري، إبراهيم الريس، عبدالإله العتيبي، عامر الشهري، عبدالله الرشود.
بعض هؤلاء كان قد أمضى مدة في السجن، وخرج قبل انتهاء محكوميته، وذلك بسبب حفظه للقرآن الكريم. مثل: عبدالعزيز المقرن.
لاشك أن في حفظ القرآن الكريم فضلاً وأجراً كبيرا، ومن المؤكد أن القرآن في حال تدبره وتمعنه سيشكل رادعاً للإنسان من التورط في أي عمل إجرامي، ولكن من يضمن لنا أن كل من سيخرج من السجن حافظاً للقرآن سيكون متمعناً ومتدبراً فيه بالشكل الصحيح؟
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية).
ويروي لنا صاحب تاريخ بغداد، عن جندب الأزدي أنه قال: (لما عدنا إلى الخوارج ونحن مع علي بن أبي طالب فانتهينا إلى معسكرهم فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن).
إن حفظ الخوارج للقرآن لم يمنعهم من تكفير المسلمين، ولم يعالج حبهم الجنوني لسفك الدماء، وانتهاك الحرمات. ولنا بقصة عبدالرحمن بن ملجم (أتعس الناس كما ثبت في الحديث الشريف) مثال واضح وصريح، والقصة المقصودة نقلاً عن صاحب المنتظم: (أنه لما مات علي رضي الله عنه أخرج ابن ملجم من الحبس فقالوا نشفي نفوسنا منه فقطع عبدالله بن جعفر يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم فكحل عينيه بمسمار محمي فلم يجزع وأخرج لسانه ليقطع فجزع وقال أكره أن أكون في الدنيا فواقا لا أذكر الله فقطعوا لسانه ثم أحرقوه). فابن ملجم قاتل النفس المعصومة، نفس علي بن أبي طالب، الخليفة الراشدي، الذي أجمعت الأمة على فضله، كان يظن أنه بعمله هذا يتقرب إلى الله، ولم يكن يجزع من أن يعذب في سبيل هذا العمل، فهو محتسب، غير أن ما يفجعه أن تمر عليه ساعة من نهار لم يذكر فيها الله!
لعلي بن أي طالب رضي الله عنه حكمة شهيرة، مفادها أن القرآن الكريم حمال أوجه، وفي فهم هذه الحكمة مفتاح لمعرفة سر التفاوت في فهم القرآن الكريم بين الناس، خصوصاً بين الذين يتبنون موقفاً سياسياً مضاداً.
لقد حفظ عبدالعزيز المقرن القرآن في السجن، فماذا كانت النتيجة؟ كانت بأنه خرج وهو يتبنى رؤية أشد تطرفاً من رؤيته السابقة، ونتائج هذه الرؤية هي أكبر من أن تشرح، فقد عايشناها جميعاً، منذ تفجيرات شرق الرياض، وحتى مقتل المعاهد الأمريكي بول جونسون. كان حفظه للقرآن المبرر الوحيد لخروجه من السجن، وهذا بتقديري خطأ كبير، دفعنا ثمنه جميعاً.
إن العقوبة بتقدير علماء علم العقاب لم يعد غرضها الانتقام والتشفي، والسجون لم يعد مبرر وجودها التأديب والنكاية. والعقوبة السالبة للحرية بتقديرهم يقصد منها: حفظ المجتمع من شر المجرم، وذلك بعزله، وإعادة إصلاحه وتأهيله، ومعالجة الأسباب التي أدت به إلى الإجرام على يد علماء مختصين بتخصصات مختلفة على حسب الحالة والحاجة، بحيث يخرج من السجن وقد زالت من نفسه كل الميول الإجرامية، والحكم القضائي لم يعد حكماً بالعقوبة فقط، ولكنه قد يكون في حالات معينة حكماً بعقوبة وتدبير، ويقصد بالتدبير هنا، ما يراه القضاء من اجراءات لازمة بعد رجوع المجرم للمجتمع، لضمان عدم عودته للجريمة ومعالجة خطورته الإجرامية، مثل: المراقبة الأمنية، والمنع من السفر، والإلزام بالعمل في أماكن معينة..
كما أن هناك من الدول ما ينص على وجود ما يسمى بـ (القضاء المنعي)، وفي تقديري فنحن بحاجة ماسة لمثل هذا القضاء في هذه الظروف، والذي يتلخص دوره بالتدخل في الجريمة قبل وقوعها، وتكون أحكامه على شكل تدابير (ولا أقول عقوبات) يخضع لها الشخص الذي بدرت منه بوادر الخطورة الاجتماعية، وذلك بغرض اصلاحه وتقويمه بالطريقة المناسبة التي يراها هذا القضاء المختص، والذي يستند في قراراته على خبراء مختصين لكل حالة على حدة، وعلى ضوء ظروفها الخاصة، سواء كانوا من الأطباء النفسيين، أو الاخصائيين الاجتماعيين، أو علماء علم الإجرام والعقاب، أو غير ذلك مما تراه المحكمة. ولنا أن نستفيد من اطروحات علماء حركة الدفاع الاجتماعي بهذا الصدد.
نحن بحاجة حقيقية لرؤية جديدة وعصرية في كيفية التعامل مع الجريمة والمجرم، ولن يكون هذا إلا بالاعتراف بوجود الخطأ، فالاعتراف هو بداية العلاج، دائماً.
1
محمد حسن
2004-08-26 17:36:00الاستاذ الفاضل / خالد الخليفة
جزاك الله خيرا على تعقيبك على مقال الاخ سعود والذى ما ا ظنه اراد الا خيرا ، لقد رايت فى ردك ما يمكن وصفه ب \" فك الارتباط\"
واقصد به حفظ جناب الشريعة ورموزها ومصطلحاتها ان يلحق بها ما يشينها او يسىء
اليها من قريب او بعيد سواء كان ذلك عن قصد من فاعله او عن غير قصد،
فالاعداء يقصدون فعل ذلك لتشويه الحق وعكس المفاهيم، وهؤلاء يرد عليهم بكشف زيفهم وبيان سوء سريرتهم و خبث نواياهم وانهم اعداء للدين وبالتالى فان اراءهم غير مقبولة سواء للمسلمين او لغير المسلمين من المنصفين الذين يبحثون عن الحق والرشاد.
اما غير المقصود من هذا الباب فهو مثل ما يقع من بعض مريدى اظهار الحق عند تناولهم لقضايا ذات اوجه متعددة فياخذهم الحماس الى السهو عن كيفية التلقى عنه وحمل ما يريد على اوجه اخرى تخدم اهواء المتلقى،
فهذا الصنف الثانى هو من اساتذتنا و اخواننا الفضلاء ويجب علينا و عليهم التناصح فيما بيننا بالحسنى على امل ان يرى الله مناخيرا فيصلح مابيننا ويرفع شاننا ويرضى عنا فى الدنيا والاخرة.
2
خالد الخليفة
2004-06-29 04:53:00أين الخطأ ؟ وكيف العلاج ؟
الأخ الكريم سعود القحطاني قرأت مقالك [حفظ الخوارج للقرآن لم يمنعهم من تكفير المسلمين وقتلهم ] بتاريخ الأحد 2004/06/27 م ، وقد رأيت أن أهديك رؤية فنية و شرعية لما ورد في المقال :
1- بناء المقال يقوم على عرض موجز للمشكلة في بدايته ثم ذكر الاستشهادات والقرائن في وسطه والخلوص في نهاية المقال إلى توصية
وعند استعراض المقال:
العنوان والمقدمة تؤكد على أن حفظ الخوارج للقرآن لم يمنعهم من تكفير المسلمين وقتلهم بل أدى إلى رؤية أشد تطرفا ، غير أن الدلائل والاستشهادات المذكورة في نص المقال لا تشهد لذلك ، بل تؤكد على أن ضعف تدبر القرآن ـ وليس حفظه ـ هو المسئول عن هذه الظاهرة وهو الذي يتأكد لديك بأنه هو الرادع عن أي عمل إجرامي وهذا الحق الذي كان من الاولى ان يعنون به المقال وتدعمه الشواهد في المقال حتى لايفهم ما ترمي اليه من الحق.
2 ـ يجب أن نتحرى العدل حتى مع أشد الخصوم لنا امتثالا لقول الحق تبارك وتعالى ( َلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) وكان الأولى أن تتحرى في الحكم على (عبد العزيز المقرن) وطائفته كما يتحرى ولاة الأمر من علماء وأمراء في الحكم على هذه الطائفة التي قامت بالأعمال الإرهابية : هل هم بغاة ؟ أم محاربين ؟أم خوارج ؟ والفرق بين هؤلاء كبير. وأعطيك لذلك مثلا : الاستشهادات التي أوردها (عبد العزيز المقرن) في وسائل الإعلام كانت من السنة وليست من القرآن وقد بنت مقالك على حفظ الخوارج للقرآن وربطت حفظ (عبد العزيز المقرن) للقرآن بالتطرف والإرهاب في موضعين بنفس الألفاظ [لقد حفظ عبد العزيز المقرن القرآن في السجن، فماذا كانت النتيجة؟ كانت بأنه خرج وهو يتبنى رؤية أشد تطرفاً من رؤيته السابقة ] وهنا وقفتان الأولى : إني أعيذك أخي أن تكون ممن يلبسون الحق بالباطل فتضع عنوان مقالك [حفظ الخوارج للقرآن لم يمنعهم من تكفير المسلمين وقتلهم ] وهو الباطل و تشير بعبارة مقتضبة [ ولا شك أن في حفظ القرآن الكريم فضلاً وأجراً كبيرا ] وهو الحق
الثانية: هل كان حفظ القرآن سببا لذلك ؟ وماذا عن المئات والمئات الذين شملهم العفو بهذه المكرمة. ولماذا لم يؤدِ حفظ المستشرقين للقرآن إلى هذه النتيجة ؟ وماذا عن حفظ الأئمة والعلماء للقرآن في التاريخ كله ووقنتا المعاصر؟
3 ـ كنت أتوقع أن تكون التوصية مرتبطة بصلب الموضوع وهو على فرض صحة المقدمة (حفظ القرآن لم يمنع الخوارج من تكفير المسلمين وسفك الدماء والرؤية الأشد تطرفا)أن تكون التوصية الدعوة إلى تطوير برنامج العفو بتخفيف المدة عمن حفظ القرآن إلى عقد دورات متخصصة في فقه القرآن وليس [ القضاء المنعي ] الذي يتعارض مع أبجديات المقال الذي سطرته بيدك أن السجن ليس للعقوبة والتأديب بل للإصلاح و التأهيل ومن لم تصلحه فترة البقاء في السجن فهل تصلحه عين الرقيب [المراقبة الأمنية، والمنع من السفر، والإلزام بالعمل في أماكن معينة ] فضلا على أن [ القضاء المنعي ] يتعارض والعفو الذي أطلق بموجبه المجرم من السجن.
ادعوك أخي سعود إلى أن تراجع ما كتبته في مقالك و الله أسأل أن يهدينا جميعا لما اختلف فيه من الحق بإذنه وأن يحفظ علينا إيماننا وأمننا ـ آمين ـ