في عام 1473ولد في بولندا عالم فلكي مشهور كان له الفضل في إخراج أوروبا من عصور الجهل والظلام.. كان يدعى نيكولاس كوبرنيكوس وعاش في زمن سيطرت فيه الكنيسة على كل شيء في حياة الناس (حتى أفكارهم الخاصة حول الكون ونشأة الحياة). ورغم أن كوبرنيكوس بدأ حياته كاهناً في مدينة فرومبورك إلا أنه سرعان ما عارض الفكرة اللاهوتية القائلة بأن الأرض هي مركز الكون وأن الشمس وبقية الكواكب تدور حولها (كما جاء في الكتاب المقدس).. وهكذا اعتبرته الكنيسة "كافراً" ومهرطقاً في حين اعتبره علماء الطبيعة والفلك رائداً وصاحب ثورة فكرية جديدة. وحين تجرأ على مخالفة الكنيسة - والإعلان عن آرائه علناً - فجر سداً من الأفكار التقدمية التي نقلت أوروبا من عصور الجهل والظلام إلى عصور النور وتحكيم العقل (وهكذا أصبح كوبرنيكوس - في نظر معظم المؤرخين - بمثابة قائد فكري تقدمي أكثر منه عالم فلك عبقرياً)!!

@ ولكن في عام 1970م (وتحديداً بعد وفاة كوبرنيكوس بـ 427عاماً) اكتشف باحث يدعى ديفيد كينج أن كوبرنيكوس سرق معظم أفكاره من العالم العربي ابن الشاطر المتوفى عام 777هـ. وبعد ثلاثة أعوام (ثبتت التهمة) حين عثر على مخطوطات عربية نادرة - من بينها معادلات ابن الشاطر في جامعة كراكو التي درس فيها كوبرنيكوس!!

وكان ابن الشاطر الدمشقي يعمل مع مجموعة كبيرة من علماء الفلك في مرصد مراغة (شرق بغداد) ووضع تصوراً لنظام الأجرام السماوية مشابهاً للنظام الذي أعلنه كوبر نيكوس بعد 150عاماً.. ليس هذا فحسب بل إن كوبرنيكوس نقل (بطريقة كربونية) الرسوم الإهليليجية للكواكب التي وضعها ابن الشاطر وأصدرها في كتابه المشهور "دوران الأجسام السماوية". أما نماذجه الخاصة بالكاكب العليا ودوران القمر فكانت متطابقة بشكل ريب مع النماذج التي وضعها العلماء المسلمون في مرصد مراغة (.. مما دعا المؤرخ نويل سويردلو إلى وصف كوبرنيكوس بأنه آخر تلامذة مدرسة مراغة)!!

@ ورغم أنني افترض "حسن النية" في مواضيع كهذه.. ورغم احتمال توصل عالمين من قوميتين مختلفتين لنفس الاكتشاف؛ إلا أن هناك حالات سرقة واضحة تجاهلت - مع سبق الاصرار والترصد - فضل العرب فيها.. فهناك مثلاً رسومات ابن النفيس (حول الدورة الدموية) التي اقتبسها وليم هارفي، واكتشافات ابن الهيثم في الضوء والطيف التي اطلع عليها اسحق نيوتن. ومعادلات ابن يونس حول البندول التي اقتبسها جاليليو بعد ستة قرون - والتي يقول عنها سميث في كتابه "تاريخ الرياضيات":

"مع أن قانون البندول ارتبط بجاليليو إلا أن ابن يونس المصري سبقه إلى اكتشافه وكان فلكيو المسلمين يستعملون البندول لحساب الفترات الزمنية أثناء الرصد!!"

.. على أي حال، ما يهمني فعلاً ليس من سبق من، ولا من سرق الآخر (ففي النهاية الإنجازات العظيمة ملك لجميع البشر).. ما يحيرني بحق هو لماذا فشل العرب في "إكمال المشوار" وبلورة اكتشافاتهم العلمية إلى ثورة فكرية كما فعل كوبر نيكوس!؟. لماذا عجزنا عن (تطبيق) اكتشافاتنا المذهلة إلى واقع صناعي وتفوق مادي كما فعلت أوروبا بعد ذلك بقرون!؟

.. في المقال القادم.. سنحاول الإجابة عن هذا السؤال