تشهد الأرض في التاسع والعشرين من هذا الشهر (وتحديداً يوم الأربعاء 29 مارس 2006) كسوفا للشمس يمكن رؤيته بوضوح فوق أفريقيا وأجزاء من آسيا بالاضافة الى المحيط الأطلنطي ..

ومن المعلوم أن كسوف الشمس يأتي بمعدل 3 مرات كل أربعة أعوام ، في حين يأتي خسوف القمر بمعدل 5 مرات كل ست سنوات . وبعكس خسوف القمر (الذي يمكن لكافة الأمم رؤيته) يأتي كسوف الشمس ضمن (شريط مظلم ضيق) لايتجاوز عرضه عدة أميال - في حين يمتد طوله فوق عدة قارات . وهذه الحقيقة تفسر عجزنا الدائم عن رؤية كسوف الشمس - حيث لم يتجاوز عرضه العام الماضي 17 ميلا فقط (في حين لن يتجاوز هذا العام 118 ميلا) . وحسب علمي سيتحتم علينا الانتظار حتى أغسطس 2027 حين يمر شريط الكسوف فوق شمال أفريقيا والشرق الأوسط ويتاح لنا رؤيته (والتمتع بسبع دقائق مظلمة في عز الصيف) !!

وبناء عليه أعتبر نفسي «سعيد الحظ» كوني كنت متواجدا في أوروبا حين حدث كسوف الشمس عام 1999 ، ورغم أن مدينة بيرن السويسرية لم تكن ضمن جدول الرحلة إلا أنني حرصت على التواجد بها يوم «الحادي عشر من أغسطس» كونها من المدن القليلة التي يمكن مشاهدة الكسوف فيها كاملا . وحين رأيت الظاهرة بأم عيني تساءلت عن ردود الفعل التي تنتاب شعوب العالم حين يمر فوقها كسوف الشمس - أو حين تنظر لكسوف القمر في نفس الوقت - على خلفية دياناتها وثقافاتها المتنوعة ..

ففي حين يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (الشمس والقمر آيتان من آيات الله لاتنخسفان لموت احد او حياته) كانت الحضارات القديمة تعتبر الظاهرة نذير شؤم ومقدمة للمصائب.. ففي اليابان مثلا كانوا يغطون الآبار والأواني اعتقادا منهم ان الجو سيكون مشبعا بالسموم. وكان الهنود يغلقون بيوتهم خوفا من أشعه القمر الضارة . وكانت الشعوب الاسكندنافية تعتقد ان الامراض تسبح في الهواء عند كسوف الشمس .. أما البابليون فذهبوا ابعد من ذلك حين افترضوا ان المصائب والامراض تأتي من الجهة التي يسود منها القمر أو الشمس فيحرصون على الاستلقاء ووجوههم ناحية الأرض !!

وكانت كل أمة تواجه الظاهرة بطريقتها الخاصة ؛ فالاسكيمو مثلا كانوا يرمون مؤن البيت ارضاء للآلهة. وهنود الازتك يقدمون القرابين البشرية لإقناع القمر بالعودة والشمس بالظهور . وفي كوريا واليابان والصين (حيث الاعتقاد بأن التنين يأكل القمر) كان الناس يتجمهرون لإحداث ضجة كبيرة لاخافة التنين ومنعه من اكمال وجبته !!

أما اليوم فالظاهرة - على الاقل بالنسبة للشعوب المتحضرة - ليست اكثر من حدث فلكي عادي يأتي بشكل دوري .. ويذكر لنا التاريخ كيف استغل جهل البعض بهذه الحقيقة لتحقيق مصالح دنيوية مختلفة ؛ وقصتي المفضلة بهذا الخصوص نفذها كولومبس في جامايكا عام 1504 وكانت سبباً في انقاذه من كارثة محققة ؛ فحين وصل الى الجزر الجامايكية كانت المؤن قد نفدت منه تماما وكانت سفنه بحاجة لصيانة عاجلة . غير أنه عجز عن الحصول على مساعدة السكان المحليين الذين امتنعوا عن المتاجرة معه أو حتى بيعه شيئا من الطعام . وفجأة تذكر ان مراقب السفينة اخبره - حين كانوا في عرض البحر - أن القمر سيخسف في 29 فبراير القادم. وهكذا طلب الاجتماع بزعماء القبائل في الليلة الموعودة بحجة انه يحمل رسالة من آلهتهم . وحين حضروا ادعى أن الآلهة أخبرته أنها غاضبة منهم وأن غضبها سيتجلى بحرمانهم من ضوء القمر . وفيما كانوا يسخرون من ادعاءاته بدأ القمر ينخسف فعلا فارتعب الهنود ورجوه أن يقبل مساعدتهم والتوسط لآلهتهم .. حينها فقط وافق (على مضض) ونال طلباته كاملة وأكمل رحلته المعروفة !!

.. وأعود للتذكير بموعد الكسوف الجديد : (يوم الأربعاء 29 صفر الحالي) ..