كنا تكلمنا في المقال السابق عن التفتيش الجنائي، ذلك التفتيش المقصود بنظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية، فالضوابط المذكورة في النظام هي تخص هذا النوع من أنواع التفتيش دون ما سواه، فهو الإجراء الهام الذي يمس بالحرية الخاصة بالشخص المراد تفتيشه؛ لكونه يرتبط بإثبات دليل جنائي ضد شخص ما، ولا يعني بالضرورة أنه يهدف إلى الإدانة بل أنه في أحيان أخرى يؤدي إلى براءة الشخص الذي تم تفتيشه. ولهذا التفتيش الجنائي حالات نذكرها مجملاً فنقول: أجاز نظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية لرجال الضبط الجنائي (ضباط الشرطة ورؤساء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرهم ممن ذكرهم النظام في المادة رقم (26) كلٌ في حدود اختصاصه)، تفتيش المتهم وغير المتهم في أحوال معينة، نبينها في الآتي:

أولاً: تفتيش المتهم: حيث أجاز النظام لرجال الضبط الجنائي تفتيش المتهم إذا جاز القبض عليه، فنصت المادة الثانية والأربعون من نظام الإجراءات الجزائية على أنه: (يجوز لرجل الضبط الجنائي في الأحوال التي يجوز فيها القبض نظاماً على المتهم: أن يفتشه، ويشمل التفتيش جسده، وملابسه، وأمتعته).

وهنا يثار سؤال عن الأحوال التي يجوز فيها القبض نظاماً على المتهم من قبل رجل الضبط الجنائي، فنجملها فيما يلي:

1 في حالة التلبس بالجريمة: مع العلم بأن القبض إجراء من إجراءات التحقيق ولكن في حالة التلبس يكون هذا الحق لرجل الضبط الجنائي؛ لأن حالة التلبس من الحالات التي يجوز فيها لرجل الضبط الجنائي ممارسة بعض أعمال التحقيق التي من أهمها القبض، فلرجل الضبط الجنائي القبض على المتهم وتفتيشه في حالة التلبس بأي جريمة، ولو لم يصدر بشأنه مذكرة قبض من المحقق، مع ملاحظة ضرورة إبلاغ جهة التحقيق فوراً بمذكرة تتضمن اسم المقبوض عليه، ونوع الجريمة، وارتكابها، والوقت والتاريخ، وأسباب القبض.

2 - صدور أمر من السلطة المختصة بالقبض على المتهم: وهذا ما بيّنته المادة الخامسة والثلاثين من النظام حيث نصت على أنه: (في غير حالات التلبس لا يجوز القبض على أي إنسان أو توقيفه إلا بأمر من السلطة المختصة بذلك).

ولقد ورد في مواد أخرى ذكر لبعض الصور التي يصدر فيها أمر من السلطة المختصة بالقبض على المتهم ومنها:

أ - إذا كانت ظروف التحقيق تستلزم القبض على المتهم، عند تكليف الشخص المطلوب التحقيق معه بالحضور.

ب - إذا رفض المتهم الحضور لدى المحقق طوعاً في الحال.

ج - إذا لم يحضر المتهم - بعد تكليفه بالحضور رسمياً - من غير عذر مقبول، أو إذا كانت الواقعة مما لا يجوز فيها توقيف المتهم.

والذي يملك الحق في هذه الحالة هي سلطة التحقيق (هيئة التحقيق والادعاء العام)، ولكن يجوز لرجل الضبط الجنائي القيام بمهمة القبض إذا تم ندبه لذلك من قبل سلطة التحقيق.

مع ملاحظة أن إباحة التفتيش في حالة صدور أمر بالقبض على المتهم قاصر على شخص المتهم، أي جسده وملابسه وأمتعته (فقط) فلا يجوز أن يتعدى التفتيش في هذه الحالة إلى المسكن.

ويشترط لصحة هذا التفتيش (تفتيش المتهم)، أن تكون شروط القبض متوفرة، وإلا بطل القبض والتفتيش معاً.

ولم يشترط النظام لصحة هذا التفتيش حضور شاهدين على غرار تفتيش المساكن، ولا وقت محدد، طالما أن هناك جريمة وقعت، واتهاماً موجهاً للشخص بارتكابها.

ثانياً: تفتيش غير المتهم: حيث نصت المادة الرابعة والأربعون من النظام على أنه: (إذا قامت أثناء تفتيش منزل المتهم قرائن ضده، أو ضد أي شخص موجود فيه على أنه يخفي معه شيئاً يفيد في كشف الحقيقة، جاز لرجل الضبط الجنائي أن يفتشه).

ومفهوم هذه المادة: جواز تفتيش غير المتهم مع التقيد بشرطين هما:

أ - أن يجري تفتيش مسكن المتهم وفقاً للنظام.

ب - أن تتوافر قرائن ضد الشخص الموجود في المسكن على أنه يخفي معه شيئاً يفيد في كشف الحقيقة.

وهنا يُثار سؤال مهم عن الأماكن التي يجوز أن يشملها التفتيش الجنائي للأشخاص إذا توفر الداعي النظامي للتفتيش سواء كان المتهم متلبساً بجريمته، أو صدر أمرٌ من السلطة المختصة بالقبض على المتهم، أو توافرت قرائن قوية ضد الشخص على أنه يُخفي أشياء تتعلق بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات عنها وتفيد في كشف الحقيقة، فنقول: يشمل نطاق تفتيش الأشخاص..

1 جسم المتهم.

2 ما يستر المتهم من ملابس داخلية وخارجية.

3 ما يحمله المتهم من منقولات.

4 السيارة التي في حوزة المتهم سواء كانت مملوكة أو مؤجرة أو معارة.

5 المتجر سواء كان مملوكاً أو مستأجراً أو عاملاً فيه.

6 أعضاؤه الداخلية كدم المتهم ومعدته التي يمكن تفتيشها عن طريق غسل المعدة لتحليل محتوياتها، وعن طريق أخذ عينة من الدم لمعرفة نسبة ما به من كحول.

فيحق لرجال الضبط الجنائي (ضباط الشرطة ورؤساء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرهم ممن ذكرهم النظام في المادة السادسة والعشرين) في حالة تلبس شخص ما بجريمة أن يقبضوا عليه، وينبني على جواز القبض على المتهم جواز تفتيشه؛ إعمالاً للقاعدة الإجرائية ( في الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم: يجوز تفتيشه) ويشمل هذا التفتيش جواز تحليل أعضاء المتهم الداخلية، كتحليل دمه لمعرفة نسبة المسكر مثلاً، وخاصة إذا ترتب على شربه للمسكر قضية جنائية أو دهساً لأحد الأشخاص أو إتلافاً للأموال العامة أو الخاصة، أما اتخاذ التحليل لإثبات قضية السكر فقط فهو محظور على رجال الضبط الجنائي.

وبناء على ما سبق يمكن القول أن موضوع التفتيش هو في الأصل جسم المتهم؛ فيجوز فتح فمه أو فض يده لإخراج ما يخفيه فيهما، ويشمل تفتيش شخص المتهم كذلك ملابسه الداخلية والخارجية لاستخراج ما يخفيه المتهم فيها وكذلك ما يحمله من أمتعة أو أشياء منقولة، وكذلك سيارته الخاصة أو التي يركبها سواء كانت مملوكة أم مستأجرة أم معارة له.

فتعتبر السيارة محلاً للتفتيش الجنائي إذا توفر المسوغ له؛ وعلى هذا فيحق لرجال الضبط الجنائي (ضباط الشرطة وضباط الإدارة العامة لمكافحة المخدرات ورؤساء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرهم ممن ذكرهم النظام في المادة السادسة والعشرين) أن يفتشوا سيارة المتهم المقبوض عليه في حالة تلبس، أو الذي صدر أمرٌ من السلطة المختصة بالقبض عليه، وإذا أسفر هذا التفتيش عن العثور على أشياء تعد حيازتها جريمة (كالمخدرات مثلاً أو سلاحٍ غير مرخص) فإن هذا التفتيش يعد صحيحاً وما نتج عنه يعتبر دليل إدانة لدى المدعي العام.

هذا فيما إذا كان الشخص المقصود بالتفتيش رجلاً، أما إذا كان محل التفتيش أنثى ، فلقد وضع نظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية لهذا الأمر ضوابط عدة، تميز بها عن سائر الأنظمة الجنائية في العالم فلقد وضع نظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية قواعد وضوابط كثيرة يجب اعتبارها وتطبيقها من جهات الضبط الجنائي وسلطة التحقيق (هيئة التحقيق والادعاء العام) حيث نصّت المادة الثانية والأربعين من نظام الإجراءات الجزائية على أنه: (إذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش من قبل أنثى يندبها رجل الضبط الجنائي). فلا يجوز تفتيش جسم المرأة المتهمة وما يتصل به من ملابس إلا من قبل أنثى يندبها رجل الضبط الجنائي (ضابط الشرطة أو رئيس مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو غيرهم ممن ذكرهم النظام في المادة 26 كلٌ في مجال اختصاصه). وفي هذا صيانة للمرأة وحفاظ على كرامتها وإعمال للنصوص الشرعية في النهي عن الكشف على عورات النساء من قبل الرجال من غير ضرورة، كما أنه يجب أن يكون التفتيش بعيداً عن أنظار الرجال وفي هذا ستر للمرأة من أن يراها غير محارمها، وأنه إذا أخرجت المرأة المتهمة الأشياء المراد ضبطها من ملابسها طوعاً فلا حاجة للتفتيش؛ ما لم يكن هناك مسبب يسوّغ الاستمرار فيه. وهذا فيما إذا كانت المرأة هي محل الاتهام، أما إذا لم تكن محلاً للاتهام وإنما كانت موجودة في مكان يُراد تفتيشه؛ فيجب على رجال الضبط الجنائي وسلطة التحقيق أن يمكنوها من الاحتجاب قبل دخول المنزل وأن يسهلوا لها مغادرته دون التعرض لها، وأن يمنحوها التسهيلات اللازمة لذلك بما لا يضر بمصلحة التفتيش ونتيجته.

وبهذا تميز نظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية بانفراده بضوابط عدة يجب على سلطة التحقيق اعتبارها قبل الإقدام على الاعتداء على حرية أي فرد من أفراد المجتمع.

٭ باحث قانوني

Mohammed369@hotmail.com