من الأدوار الجديدة للإعلام والاتصال المعاصر سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أوالاجتماعي ما ذكرته د. عواطف عبدالرحمن في دراستها عن (حرية الإعلام المعاصر وتحديات العولمة) من أنه أصبح هو المؤسسة التربوية والتعليمية الجديدة التي حلت مكان الأسرة والمؤسسات التربوية الأخرى وصار يقوم بدور أساسي في تلقين النشء والأجيال الجديدة المنظومة المعرفية المنزوعة من سياقها التاريخي والقيم السلوكية ذات النزعة الاستهلاكية التي تروج بأشكال متنوعة لمصالح السوق العالمية وأيديولوجيتها، بل إن أخطر الأدوار ما يقوم به الإعلام من تشكيل أنماط معينة من السلوك الإنساني وتهميش أنماط أخرى من خلال لغة الصورة ورموزها ويبرز ذلك فيما يقوم به الإعلام من اختراق منظومة القيم الثقافية لدول الجنوب من خلال المسلسلات والأفلام وبرامج المنوعات الأمريكية، كما تقوم باستقطاب النخب المثقفة للترويج لفكر العولمة وأيديولوجيتها عبر الحوارات التلفزيونية والمقالات. ولقد أصبح ينظر إلى الإعلام باعتباره المعيار الذي تقاس به كفاءة الأداء السياسي والاقتصادي للنظم المعاصرة، فهو يقوم بدور أساس في الترويج للسلع والخدمات التي تقدمها السوق العالمية، وهذا يفسر السيطرة الشاملة على صناعة الاتصال والمعلومات والاتصالات اللاسلكية من قبل الشركات متعددة الجنسيات في إطار سعيها للتحكم الكامل في السوق العالمية.
والولايات المتحدة الأمريكية أدركت أهمية قطاع الإعلام والاتصال للسيطرة على (مجتمع الإعلام) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتعتبره مجالاً استراتيجياً للحفاظ على نفوذها في العالم.. واذا استعرضنا دور الإعلام في الحرب الذي يتم تنفيذه على مستويين: مستوى جبهة القتال على أرض المعركة، والمستوى الثاني كسب عقول البشر وقلوبهم من خلال الدعاية والحرب النفسية.. وكما جاء في دراسة من العبدالله سنو عن (العرب في مواجهة تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال) ذكر أنه في الحرب العالمية الثانية كان للمذياع دور فاعل كوسيلة دعائية وفي حرب فيتنام كانت تجسيداً مهماً لدور التلفزيون، أما حرب الخليج الثانية فقد تزامنت مع بداية الفضائيات التلفزيونية التي تمثلت في شبكة سي إن إن الاخبارية ثم جاءت حرب أمريكا على أفغانستان لتصنع الشهرة الدولية لقناة الجزيرة العربية، ثم تلتها الحرب على العراق واحتلاله والتي مثلت تعميقاً لدور الفضائيات والإنترنت ومحاولة توظيفهما التوظيف الأمثل.
وتوظيف الإعلام في الحروب يتمثل في جزء منه في (الدعاية) التي تستطيع أن تحشد الرأي العام حول قضية بعينها من خلال المبالغة والتضليل والكذب في أسلوب عرض القضية وذلك لكسب التأييد والدعم، ومن يقدم الصورة السلبية للعدو يؤكد ذلك بعرض كل ما يبرز الصورة الإيجابية لنفسه من خلال محاولة حشد التأييد وتغذية الاعتقاد بأن ما ينوي عمله هو في فائدة كل البشر ومصلحتهم.
وقد تطور أسلوب الدعاية في الحروب عبر التاريخ وكما يذكر ناعوم تشومسكي في كتابه (السيطرة على الإعلام) أن أول عملية دعائية حكومية في العصر الحديث كانت أثناء إدارة الرئيس وودر ويلسون الذي انتخب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية عام 1916م وفق برنامج انتخابي بعنوان (سلام بدون نصر) وكان ذلك في منتصف الحرب العالمية الأولى، وفي تلك الأثناء كان المواطنون مسالمين لأقصى درجة ولم يبد سبباً للتورط في حرب أوروبية بينما كان على إدارة ويلسون التزامات تجاه الحرب، ومن ثم كان عليها فعل شيء ما حيال هذا الأمر فقامت الإدارة بإنشاء لجنة للدعاية الحكومية أطلق عليها (لجنة كريل) وقد نجحت هذه اللجنة خلال ستة أشهر في تحويل المواطنين المسالمين إلى مواطنين تتملكهم الهستيريا والتعطش للحرب والرغبة في تدمير كل ما هو ألماني وخوض الحرب وانقاذ العالم!! وكان هذا إنجازاً هائلاً، قاد بدوره إلى إنجاز آخر بعد ذلك في توظيف التكتيك نفسه لإثارة هستيريا ضد الرعب الشيوعي.. وهو ما نشاهده الآن ضد كل ما هو اسلامي - رغم ادعائهم بأنها حرب ضد الإرهاب -!! فمنذ أحداث سقوط البرجين وكسر هيبة أمريكا أمام العالم والسعار الأمريكي تجسد كما يرى الدارسون في مستوى داخلي تمثل في تجديد الروح القومية وبث الوحدة من خلال الشعور بالخطر القادم والتهديد الكبير للأمن وللحياة الأمريكية، وخارجياً تمثل في تصميم الإدارة على تحقيق الحلم الامبراطوري!! والهيمنة على العالم!! وفي الشرق الأوسط إعادة تشكيل المنطقة استراتيجياً بما يضعف الدول العربية أكثر ويساعد على حماية المصالح الأمريكية والصهيونية.. واحتلال العراق سبقه تهيئة وحشد للرأي العام الأمريكي وتم تجنيد عدد من الباحثين والكتاب والمؤسسات الإعلامية المؤيدة لها وتوزعوا على مختلف المنابر الإعلامية يسوغون ويؤيدون غزو العراق.
حالياً الدور نفسه يمارس في تسويغ احتلال الفلوجة والادعاء بأنها مأوى الارهابيين!! وما يذهل أن عدداً من الكتاب العرب والخليجيين يسيرون في التيار نفسه ويرددون ما تبثه أبواق الحملة الإعلامية والدعائية لتبرير احتلال العراق وتبرير قتل المدنيين والجرحى حتى وهم في المسجد!! وكما دأب الإعلام الأمريكي على تأكيد أن القوات الأمريكية قادمة من أجل استبدال نظام صدام حسين وإحلال الديموقراطية ومغادرة العراق.. إلا أن الواقع الآن أن العراق يعيش في حالة من الفوضى والتدمير والقتل. والقتلى من الأمريكيين يتضاعف عما قتل في غزوهم لأفغانستان والجرحى والمعوقون بالآلاف في مستشفيات ألمانيا وعديد من دول أوروبا.. ناهيك عن مائة ألف شهيد عراقي تم قتلهم بفعل قنابل التحرير الأمريكية!!
الآلة الإعلامية قد تدلس وتزور ولكن حقائق التاريخ لا تخفى.. وصور الدبابات الأمريكية التي تدك المنازل على رؤوس المدنيين في الفلوجة يتدلى منها (الصليب)!! والجماعات التنصيرية في العراق تنفذ ما ينصحها به الرئيس بوش وقوله للطائفة المعمدانية الجنوبية: إنكم تمثلون 16مليون شخص في كافة أنحاء الولايات المتحدة اضافة الى الكثيرين من المنصرين البعيدين عن وطننا وكلهم يشعرون أنهم مختارون للقيام بتبليغ كلمة الرب والدعوة لمملكة الرب!! وكما جاء في برنامج بانوراما الوثائقي الألماني أن أحد المنصرين في العراق يقول: (اننا نتنكر كسائحين، ثم نوزع أطنان الدعاية التبشيرية المسيحية) وآخر ظهر في البرنامج نفسه يقول: لابد أن يصبح الشرق الأوسط كله مسيحياً!!
1
أم هيثم
2004-11-24 18:05:00الحبيبة د. نورة السعد :
صدقتِ وأجدت غاليتي ، زادك الله من فضله ولاحرمنا منك ومن إشراقاتك
وأما بالنسبة لتعليق سارة الشمري فهو أدل دليل وأقواه على ماذكرتيه ياد. نورة ، فانظري أثر الإعلام الموجه الذي جعل الأخت نورة تتجاهل كل الكلام الخطير الذي ذكرتيه جزاك الله خيرا ، ثم تركز على عبارة واحدة ، تؤول معناها وتترجمها وفق برمجتها الثقافية التي منبعها الإعلام الموجه ولا شك ، حتى عدتك ياد. نورة وسمتك من المتطرفين والغالين !!! لأنك ترفضين الغطرسة الأمريكية، وتناصرين المسلمين في الفلوجة !!!
وفقك الله حبيبتنا وجزاك عنا خيرا
ننتظر إشراقاتك فلا تتأخري علينا .. فنحن نحبك .. نقدرك .. نشتاق لحرفك المعطر بالرقي والوعي
محبتك
أم هيثم
2
سارة الشمري- الرياض
2004-11-23 12:27:00بداية الموضوع طيبة إلا أن التمجيد للعنف و الإرهاب ظهر، ربما عن غير قصد، في عبارتك "فمنذ أحداث سقوط البرجين وكسر هيبة أمريكا أمام العالم". و هذا يفرض علي أن أسألك بربِك: هل حقيقة ترين أن تفجير بنايات يقطنها أناس أبرياء، ذنبهم الوحيد هو أداء عملهم اليومي لكسب قوت يسد حاجة عوائلهم، من قبل إرهابيين للأسف نبعوا من بيئتنا الثقافية المنحرفة المظللة، يكسر هيبة (بمعنى آخر، يشكل إهانة) لأمريكا؟ إذا كانت هذه هي الرؤيا، و هو ما يتضح جليا و بدون لبس من جملتك هذه، فهذا يؤكد التأييد لهذا الفعل الإجرامي الرهيب لأن ما تنادين به دائما هو إهانة و محاربة أمريكا و كل ما يمت لها بصلة. كذلك تكون الأعمال الإرهابية في السعودية قد كسرت هيبة و طننا الغالي.
أنا لا أدعوا للدفاع عن أمريكا لأنها بحقٍ و بدون أي شك ظلمت العرب على مدى سنوات طويلة و أرجوا من الله أن يكفينا شرهم. و لكن هذا الموقف لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يدفعني للترويج و التطبيل للعنف ضد أبرياؤهم فهم في آخر المطاف بشر يستحقون الحياة مثلنا. إلا أنه يبدوا للأسف أن كتابنا ذوي الإتجاة الديني المتطرف أعماهم الغلوا فأصبحوا مثل الرئيس بوش، يقسمون العالم إلى نصفين، نصف معهم و النصف الآخر ضدهم. و كل من لا يتفق مع مذهبهم التمتزمت يوضع في خانة الضد و تباح محاربتة بكل الوسائل. الإشكالية في هذه الفلسفة الإخلاقية أنه لا أخلاق لها و بالتدريج سيجدوا أن ألأغلبية الساحقة إنتقلت ال خانة العدو و هذا لا يضمن الا الهزيمة المحققة لهم في النهاية.
3
أبو ناصر
2004-11-23 00:13:00أصبت في سرد نتائج حسن أو إساءة إستخدام الآلة الإعلامية و المطلوب هو التحرك بسرعة و فطنة للإستفادة من هذة الظاهرة المتجددة. فالحل لا يكون عن طريق شجبها و الترويج لمحاربتها بل الإصرار على إيجاد السبل للتفاعل معها و تطويعها لصالح قضايانا.
و لو نظرنا إلى السنتين الماضيتين لوجدنا أن أفضل من طوع تكنولوجيا الإعلام الحديثة هم أناس منا و فينا. فا لإنترنت هي أكثر الوسائل الإعلامية كفاءة من حيث التكلفة و المرونة و الفعالية. و لكن المستخدمون البارعون الذين أتحدث عنهم هم و للأسف الإرهابيون الأصولين. فهم نجحوا في نشر رسالتهم المرعبة المقززة المليئة بأبشع مناظر جز الأعناق و التعذيب لبشر أبرياء لا حول لهم ولا قوة. و غلفت هذه الصور برسائل صوتية تمجد الهمجية و التعطش للدم و التطرف الإسلامي. و هذا متوقع من أناس ترعرعوا على أفكار إسلامية أصولية إنتشرت خلال العقود الثلاثة الماضية تحت مسمى الصحوة، و لكن المأساة هي عدم قيام السواد الأعظم من يدعون تمثيل الإسلام الحقيقي بإستخدام تكنولوجيا الإعلام بنفس المهارة و السرعة لنقض هذه الصورة. فالنفي و محاولة تحسين الصورة يكاد ينحصر على الإعلام الرسمي الذي عادة لايتمتع بنفس مصداقية الإعلام الشعبي. بل إن الإعلام الشعبي، و حتى بعض الكتاب الإسلاميون، سنوا أقلامهم لتبرير أفعال الإرهابيين الشنيعة، و آخرها تلميع صورة الإرهابيين في العراق مثل الزرقاوي و عصابته اللاإنسانية و تسميتهم بالمجاهدين و نعت عملهم البشع بالمقاومة.
و ها نحن جميعا ندفع الثمن، و سنستمر في الدفع ما دمنا ننطلق وراء إعلاميون غلاة ظنا بأنهم يقودونا إلى بر الأمان.
4
حارث الماجد
2004-11-22 05:31:00موضوع قيم
وعيدكم مبارك
5
الفارس الضرغام
2004-11-22 06:48:00الدكتورة الفاضلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير
نفع الله بك وبارك في جهودك وسدد خطاك
تحياتي لك