الكاريكاتير من الفنون البصرية الأكثر تأثير لدى المتلقي منذ القدم من حيث سرعة وصول الفكرة لغايتها المنشودة، ويعد هذا الفن من أخطر الفنون قوة وتأثيراً لدى الرأي العام لما يمتلكه من أسلوب لاذع وساخر وشفافية في الطرح وسرعة التصاقة بذهن المتلقي لبساطة تكوين الفكرة وولادتها، يعتبرونه الفن المشاكس والسهل الممتنع، لأنه يسبر الحقيقية ويوغل في فضح المستور وتعريته بشكل ساخر وناقد، فالفنان المبدع الذي يمتلك حساً فنياً ونظرة فاحصة وذكاء متقداً بارعاً يستطيع قول ما يعجز عنه الآخرون في خطوط قليلة بسيطة وفكرة مختزلة، لما يدركه الفنان المبدع الموهوب البارع وأدواته البسيطة من مهارة فائقة بضربة ريشة لإثارة حدث كبير من خلال فكرة تبلورة في ذهنية وعقلية المبدع نفسه.
وقد احتضنت "الرياض" عدداً من الرسامين السعوديين الشباب، بعد فوزهم وتكريمهم من قبل الزميل سليمان العصيمي رئيس التحرير المكلف، وهي فكرة متقدمة وذكية لإعطاء فن الكاريكاتير حقه بهذا الصحيفة التي كانت ولاتزال حاضنة رسامي الكاريكاتير السعوديين منذ تأسيسها، والملفت أعمال الشباب الكاريكاتيرية حيث وجدت فيها أعمال فنية غنية ومبهرة بالخطوط والألوان وقوة الفكرة بدون تعليقات مطولة، لأنه بالعادة التعليق المطول يقتل الكاريكاتير الحقيقي ويفرغه من محتواه الفني، وما أفرحني أن الرسامين الذين أحتفي بأعمالهم التي تتنمي الى عدة مدارس فنية كاريكاتيرية، اقصد لا تشابه بعضها بالخطوط والتكنيك والأبعاد، هذا يعني أن هناك تشكيلة كاريكاتيرية رائعة ومواهب متعددة تستحق الإشادة من هذه الصحيفة، حيث بدأ فيها اول رسام كاريكاتير فهو الراحل علي الخرجي في وقت مبكر، وتلاه الفنان المبدع محمد الخنيفر واليمني والوهيبي والهليل والمسيهيج والهويدي والسبيعي وعبدالعزيز ربيع وغيرهم من الرسامين السعوديين الذين وجدوا ضالتهم بهذه الصحيفة ونجحوا، وكانت لهم مرتع خصب وبيئة صحية جاذبة مشجعة لبداية مواهبهم ومنحوا فرص كثيرة ومساحات شاسعة لاكتشاف مواهبهم وتشجيعها ودعمها، ونشر أعمالهم الفنية منذ كانوا هواة حتى أصبحوا محترفين في هذا الفن المهم الذي لا يمكن أن تستغني عنه أي صحيفة أو مطبوعة، ووصل عددهم الى ثمانية رسامين يرسمون في هذه الجريدة في اليوم الواحد، وتمنح لهم مكآفآة حتى اصبح لهم أجنحة ليطلقوا لها العنان الى الصحف الأخرى بعد أن اشتد عودهم وقويت ريشتهم وامتلكوا مهاراتهم الفنية في هذا المجال الفني المهم والمحبب لدى القارئ والمتابع.
ولعل ما يميز فنان الكاريكاتير السعودي، تمسكه بمبادئ وقيم الدين وركائز العرف الاجتماعي التي تحتم احترام الانسان أيا كان فرداً عادياً او مسؤولاً، مع احترام ذوق المجتمع، ابتداء بالشكل او الاسلوب الذي يؤدي به الكاريكاتير، أو بالمضمون الذي يخلو من أي عبارة او جملة او صورة صارخة، تخدش الحياء او تسيء للمعنى بالفكرة، كما ينحى الكاريكاتير السعودي الى جانب التوعية والتربية والتوجيه بطرق جذابة لا تخلو من الابتسامة والجذب والاثارة وهو ما يطلق عليه الرسم (المحتشم).
ومع ان الكثير من الرسامين السعوديين استطاعوا أن يحققوا شعبية وتطويراً لأدواتهم الفنية بهذا المجال خصوصا فيما يتعلق بالرسم بالكمبيوتر واستخدام "الفوتوشوب"، والرسومات الرقمية، وأسسوا جمعية لرسامي الكاريكاتير مؤخرا، إلا ان هناك الكثير من الانتقادات التي توجه في هذا الإطار والتي منها أن الرسامين السعوديين لم يحاولوا أو لم تتح لهم الفرص لولوج باب العالمية والانتشار بالخارج، على الرغم من امكانياتهم الفنية والتقنية الكبيرة، وتكفينا جولة قصيرة من خلال محركات البحث في الشبكة العنكبوتية لاكتشاف مدى تباعد رسام الكاريكاتير السعودي عن هذا المجال الفني الحيوي، فجل ما ستجده أمامك من رسومات هي بجهد قراء ومعجبين دون أن تلمس اهتماماً من رسام الكاريكاتير في إنشاء موقعه الخاص الذي يتواصل من خلاله مع جميع الشرائح والثقافات، ويسهل على الباحث من الخارج الاطلاع على حقيقة فن رسم الكاريكاتير السعودي ومدى التطور الذي وصل إليه، لتمتد هذه المشكلة من الإحجام وعدم بذل الجهد في التواصل، إلى العزوف التام عن الاحتكاك والمشاركة وإبداء الرأي حول مختلف القضايا التي تمس جانب الرسم الساخر هنا وهناك، حتى استحوذت تلك البروج العاجية على رسام الكاريكاتير السعودي، فأصبح يرسم من بعيد مكتفياً ببعض الانتشار الذي تحقق له من خلال صحيفته اليومية وبقليل من إطراء القراء بين الحين والآخر، وأغلب الرسامين السعوديين هم موهوبون فقط، أكثر من محترفين لهذا الفن القديم، ويتقنون خصائصه وألاعيبه وأهميته ودوره وتأثيره، وقليلاً ما نجد لهم إقامة معارض فنية متخصصة في فن الكاريكاتير أو محاضرات لرسام كاريكاتير سعودي بارز، أو ندوة متخصصة تبين أهمية هذا الفن ودوره، وكثيراً ما تجدهم يمارسون أعمالهم بصمت وعلى استحياء أحيانا!. إلا أن هذا لا يعني بأي حال من الاحوال تقصيرا عند الفنان فقط، وانما هناك تقصير ملحوظ في جانب بعض المؤسسات أو الهيئات المعنية بذلك ولاستضافاتهم وطباعة كراريس لأعمالهم الفنية، والتي يتوجب عليها رعاية هؤلاء الفنانين ودعمهم وتشجيعهم ومساعدتهم وتبني مواهبهم وإبرازهم في إيجاد حلقة ربط يتم من خلالها التواصل وتبادل الأفكار فيما بينهم، وكذلك بينهم وبين الفنانين الآخرين في العالم، سواء لإقامة معارض دورية أو ندوات أو جمعية نشطة خاصة بهم، أو اصدار مجلة متخصصة لأعمالهم تتولى مسؤولية انتشار الكاريكاتير السعودي ودوره في وسائل الإعلام الأخرى، والترويج لأفكارهم وتشجيع مواهبهم ودعم حماستهم أكثر، والتعرف على أقرانهم وزملائهم الذين سبقوهم في هذا المجال من هذا النوع من الفن المؤثر.
احتلت القضايا الاجتماعية حيزا كبيرا في مجال اهتمام الفنان السعودي منذ نشأته، وتناولها بشكل مميز ومحترف، حيث برزت الكثير من اسماء الفنانين الذين تابعوا هموم ومشاكل مجتمعهم من خلال رسوماتهم المعبرة والساخرة، والتي نرى الكثير منها في الصحافة السعودية، ولكن ما هي أبرز هذه المواضيع التي تناولها الرسامون السعوديون وكيف تعاملوا معها؟
بدأ الكاريكاتير في الصحافة السعودية متقاربا مع بدايات اصدارها عبر محاولات متقطعة في صحف المنطقة، الى ان تحددت البداية الحقيقية في الستينيات من القرن الميلادي الماضي، على يد الفنان السعودي الراحل علي الخرجي، وهو اول رسام كاريكاتير سعودي دخل هذا المضمار، مالكا بذلك حق الريادة والانفراد والتصدر.
وتطور هذا الفن محليا مع انتشار الصحف حتى أضحى اليوم أساسا في كل صحيفة وحاجة ملحة للقراء، وبدأ علي الخرجي يرسم في الصحف السعودية التي تصدر من العاصمة الرياض، وبدأ بنشر رسوماته في صحيفة الرياض والجزيرة حتى أعلن اعتزاله عن الرسم عام 1998م تقريبا، بعد ان ترك الساحة زاخرة بعشرات الرسامين السعوديين، قبل ان يتوفى "رحمه الله" "2011م"، وفي هذا يقول أحد رؤساء التحرير: لو أردت تأسيس صحيفة جديدة فإنني سأبحث عن رئيس للتحرير ورساما متميزا للكاريكاتير. والبقية ستأتي لاحقاً.
تناول الرسامون الكاريكاتيريون في السعودية الكثير من القضايا الاجتماعية البارزة في المجتمع، حيث ازدحمت الكثير من القضايا في رسومات الكاريكاتير السعودي، مثل "البطالة وغلاء المعيشة والعادات والتقاليد في الزواج وغلاء المهور وزواج المسيار والطلاق والتسيب الوظيفي والبيروقراطية وقيادة المرأة للسيارة والفساد الإداري والعادات والتقاليد المغلقة والعنف والتطرف والتشدد وأزمة السكن وخادمات المنازل والجفاف العاطفي" وغيرها من القضايا التي تشغل بال المجتمع السعودي والرسام نفسه الذي ينتمي لهذه البيئة، الذي تمثل رسومه انعكاساً لواقع المجتمع الذي يعيش فيه، وناقلا أمينا للصورة الاجتماعية في المملكة.
الحقيقة التي يمكن قولها هنا هو أن معظم الفنانين السعوديين إن لم نقل كلهم، لامسوا نوعاً ما هموم المواطن السعودي وقضاياه، واستطاعوا أن يعبروا عنه، وما يعانيه من مشكلات مختلفة.
وأبدع رسامو الكاريكاتير السعوديون في الرقي بهذا الفن بعد ما اكتسبوه من خبرة من عدة فنانين عرب وأجانب، وكونوا مدرسة خاصة بالكاريكاتير السعودي تسجل لصالح الحركة الثقافية والفنية رغم عزوف القارئ عن القراءة والمتابعة إلا من خلال التواصل الاجتماعي التي أصبحت مجالاً لتلقي مواهبهم.
كاريكاتير ماجد الشمري الفائز الأول
كاريكاتير حسام الزهراني الفائز الثاني
كاريكاتير إبراهيم العلي الفائز الثالث
1
علي دوله
2016-04-01 14:11:59عرف الرسم منذ العصور الحجريه كرمز من رموز المخاطبة والتواصل الاجتماعي آنذاك. واستمر للان في ظل علوم الحوسبه الاليهً وعلوم الفضاء وليس ببعيد على الوسائل المطبوع هان تحافظ على هذا الإرث التاريخي.
بوركت جهودكم المميزة لرفع الفن السعودي والعربي الى العالميه ومبروك للفائزين.