يُعد «الواتس آب» من أكثر وسائل الاتصال انتشاراً بين جميع فئات المجتمع المختلفة، وهو وليد عصر التطور التقني وأجيال الهواتف الذكية وعصر الرقميات، وعلى الرغم من انتشار «الواتس آب» إلاّ أن ذلك الانتشار أصبح يشكل أزمة لدى البعض وخاصة بعض الموظفين وذلك بسبب التأثيرات التي يخلفها، فأصبحت تلك التقنية من أسرع عوامل الإجهاد الوظيفي في مجال العمل، مما جعل عددا من الموظفين يعبرون عن قلقهم وانزعاجهم وتذمرهم من إدراجهم في قروبات «الواتس آب» التي يقوم بإنشائها بعض المديرين في العمل، وأصبحت تلاحقهم على مدار الساعة، حتى بعد عودتهم إلى منازلهم، خاصةً وأن ما يُدار في معظم تلك القروبات الخاصة بالعمل غالباً ما يكون خلال الفترة المسائية والتي تتحول في الغالب إلى مراسلات إدارية بين الموظفين وزملاء العمل وتوجيهات من قبل المديرين وتكليفات من قبل الرؤساء في شؤون العمل حتى خارج أوقات الدوام الرسمي، مما يجعلها تساهم وبشكل كبير في إجهاد الموظف وكذلك انتشار التعاميم العاجلة وكذلك السرية، وسط مطالبات الكثير بمنع ذلك لما يشكله من خطورة في تسرب التوجيهات وكذلك التعاميم المختلفة وأيضاً تسرب خطابات تحمل أسراراً خاصة بالعمل في الإدارات ومقار العمل والموظفين.

نحتاج تنظيماً يمنع استخدام وسائل التواصل

في «المراسلات الإدارية» حفاظاً على سرّية التعاميم والخطابات

نتائج سلبية

إحدى الموظفات في إحدى الإدارات أبدت انزعاجها الشديد من «قروبات» العمل، وقالت: إن حرجها من المديرة في العمل ومن المشرفة يحول بينها وبين الخروج منها، مما يؤثر على وقتها مع عائلتها وكذلك التزاماتها وعلاقاتها الأسرية، مما جعلها تفكر جدياً في إلغاء تطبيق «الواتس آب» وحذفه نهائياً عن طريق استخراج رقم هاتف آخر وبجهاز جوال لا تتوفر فيه خاصية ذلك التطبيق، مؤكدةً على أن وسائل التواصل في «القروبات» في مجال العمل لا يصح أن تكون هي لغة التخاطب في مجال العمل؛ لأنها لها نتائج سلبية على الموظف وعلى العمل.

قناة للتواصل

بدوره أوضح نايف العتيبي – مختص في الإعلام الجديد– أن برنامج الواتس آب قناة سهّلت التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع على نطاق واسع؛ لتوفره في معظم الأجهزة، لذلك هو مناسب للجميع من حيث التكلفة، مضيفاً أن أهميته تكمن حسب استخدام الشخص نفسه، فمنهم من يهتم بالتواصل بين أفراد العائلة وبين الأصدقاء على شكل مجموعات، وحالياً أصبح هناك قروبات للطلاب في الجامعة مع أساتذتهم وقروبات للعمل تجمع بين المدير والموظفين، وكذلك إمكانية إرسال رسالة نصية أو لقطات مصورة تحتوي تسجيلات صوتية حيث وفر إمكانية التواصل كتابة أو بالصوت أو الفيديو، وتبادل أخبار العائلة والأقارب، ومناقشة القضايا المهمة، وتبادل الأخبار والمعلومات الفقهية والاجتماعية والتربوية، إضافةً إلى أخذ الوقت الكافي للحوار، وإعطاء الفرد وقتاً أطول للتفكير في الرد المناسب بدلاً من الرد المتسرع، وسهّل عملية التواصل بين جيل الآباء والأمهات وبين جيل الشباب والشابات، مبيناً أن «الواتس آب» بيئة جيدة للشباب للتعبير عن آرائهم الاجتماعية والأسرية والفكرية والتي ساعدت في إيجاد جو من التواصل الإيجابي بين أفراد الأسرة.

خارج أوقات الدوام الرسمي

وأكد العتيبي على أن من سلبيات برنامج «الواتس آب» أنه قد أصبح يحد من العلاقات الاجتماعية المباشرة، وأيضا تنتشر من خلاله الإشاعات والأكاذيب بين أفراد المجتمع، وكذلك نشر بعض الرسائل المتعلقة بالدين والأحاديث دون التأكد من مصداقيتها، وأيضاً انتشار ظاهرة قروبات العمل واستغلال المديرين للموظفين بتمرير التوجيهات والتعليمات من خلال القروب حتى خارج أوقات الدوام الرسمي، مما يسبب حرجاً وضيقاً للموظف مما يجعله يحجم عن دخول البرنامج بسبب هذا المدير المتسلط، مضيفاً أن الموظف الذي يعمل خارج الدوام الرسمي لابد أن يتلقى مقابلاً مادياً لجهده، ولكن ما يتم الآن في قروبات الواتس آب من قبل المديرين هو استغلال للموظفين على مدار الساعة، متمنياً أن كل موظف يُضاف لقروب العمل من أجل تمرير التعليمات والتوجيهات من قبل مديره أن يُطالب ببدل خارج العمل أو يُغادر دون أدنى حرج، فليس من مهامه في العمل الانضمام إلى قروبات العمل بالواتس آب.

قروبات الموظفين

من جهته بيّن خالد الحسينان –مستشار إعلامي في وزارة التعليم– أن استخدام التقنية ونظم المعلومات ومن ذلك وسائل التواصل الاجتماعي لطالما كان ومازال مفيداً لتنمية الأعمال وتحفيز فريق العمل نحو الإنتاج والإبداع، مع التأكيد على أهمية الالتزام بالقيم والآداب العامة التي تحكم أي تجمع على أرض الواقع والمحافظة على أسرار العمل، فمثلاً لابد أن يعي جميع المشاركين في قروب «الواتس آب» العمل بتلك القيم خدمة للمصلحة التي تصب في النهاية في خدمة الوطن والمواطن، مضيفاً أنه حيث لم يصدر أي توجيه من الجهات الرقابية والمنظمة للعمل حول استخدام الواتس وغيره في إنجاز العمل فإني أنظر إلى مبادرات الموظفين على نوعين أحدهما محمود والآخر مذموم، فالاستخدام المحمود يتمثل في تكوين «قروبات» لفريق العمل للتشجيع على إنجاز العمل والتثقيف المهني، كأن يكون هذا في إطار الاستعداد لإقامة مؤتمر أو ملتقى أو نحو ذلك، فهذا مطلوب لتقليص دورة العمل وتلافي الأخطاء بسرعة وتسريع الإنجاز والخروج بمنجز متميز، ذاكراً أن هناك أيضاً استخدام غير محمود وهو ما يطلبه المديرون أو المسؤولون من أوامر أو توجيهات بتنفيذ أعمال بينما النظام لا يعتبر «الواتس آب» وغيره وسيلة رسمية في المخاطبات الإدارية وطالما أن هذا النوع من الاستخدام لم يحسم فمن غير المناسب أن يقوم المدير بتكليف الموظفين بتنفيذ الأعمال من خلال «الواتس آب» أو أي من وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى؛ لأن النظام رسمياً لا يعد تلك القنوات وسائل رسمية في المخاطبات الإدارية.

وتساءل الحسينان: لماذا تلتزم قطاعات الدولة وعلى رأسها وزارة الخدمة المدنية وقطاعات التطوير الإداري داخل الوزارات وإدارات تقنية المعلومات الصمت حيال ذلك، ولماذا لم تصدر الجهة المعنية في الدولة حتى الآن نظاماً واضحاً حيال استخدام وسائل وقنوات التواصل الاجتماعي في التوجيهات الإدارية واستكمال الأعمال والمهام وتنفيذها، وأين دور قطاعات الدولة في توعية منسوبيها بما يجب أن ينشر وما لا ينشر عبر تلك الوسائل وتوعيتهم بالآداب العامة التي تحكم هذا النوع من الوسائل وتوضيح العقوبات التي يشتمل عليها الاستخدام الخاطئ لهذه التقنيات واستغلالها لغير مصلحة الجهة التي يعمل بها الموظف، ذاكراً أن هذه الخلافات وغيرها لم تحسمها أي جهة حكومية وبقيت عالقة وهذا يعقّد الموضوع أكثر وأكثر.

إضرار بالموظف

وقال سعيد العُمري –محام– إن برنامج الواتس آب برنامج اجتماعي لتوطيد العلاقات بين الناس والتوصيل فيما بينهم والاستفادة منه في النواحي الثقافية بتكوين مجموعات ذات اهتمام مشترك، مضيفاً أن المراسلات الإدارية المعتبرة بين المديرين والموظفين خلال وقت العمل في القطاعات الحكومية تكون عبر الورق الرسمي وبتوقيع وخاتم جهة العمل، وليست عبر جهاز الجوال؛ لأن الجوال متاح للكل وقد يقوم بإرسال الرسالة شخص آخر بخلاف المدير بقصد الإضرار بالموظف، مبيناً بأن الموظف غير ملزم بمثل تلك الرسائل، ويجوز له العمل بها إذا كانت له فيها منفعة ومصلحة بالرغم من أنها غير مجيرة بتوقيع الرئيس، ولا يكون تكليف العامل بالعمل الإضافي إلاّ بناء على أمر كتابي تصدره الجهة المسؤولة في المنشأة يبين فيه عدد الساعات الإضافية التي يعملها العامل المكلف وعدد الأيام اللازمة لذلك وفقاً لما نص عليه نظام العمل بالنسبة للعاملين وتُسلم للعامل صورة خطية من التكليف الكتابي مصدقة بختم المنشأة، ذاكراً أنه لا يجوز لصاحب العمل تكليف العامل بأي عمل خلال فترات الراحة، مؤكداً على أن الرسائل التي تصدر من الرئيس ويتضرر منها الآخرون، فهي حُجة عليه؛ لأنها صادرة من مقتنياته ولا عذر له بعدم حرصه عليها، ويجوز للموظف أو العامل الاحتجاج بها أمام أي جهة متى ما وقع له ضرر، إذ ان هذا التقدير ليس موجوداً بنظام أو تعميم بل من الشرع والمنطق وقواعد العدالة؛ لأنه لم يصدر تشريع يُقنن تلك المراسلات فيما عدا نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.

تكليف الموظف خارج اوقات الدوام

من جهته أكد د.طارق البار – مدير إدارة الصحة النفسية والاجتماعية في الشؤون الصحية بمكة – على أن أي شخص يتعرض لضغوط سواء كانت في العمل أو في الحياة أو في الأسرة ولا يستطيع أن يتأقلم مع هذه الضغوط، فبطبيعة الحال يتعرض الشخص لحالات تبتدئ بحالات قلق؛ لأنه يكون خائفاً على مستقبله وتنعكس في الأخير إلى اكتئاب؛ لأنه بدأ يشعر بأنه فقد الطمأنينة في العمل وفي المكان الذي هو فيه، ومن ضمن هذه الضغوط سواء كانت التكليف للطالب بالواجبات غير الأساسية، أو الأب الذي تطالبه أسرته بمصروفات أكثر من دخله، أو الزوجة التي تكون مريضة وتُطالب من الزوج أو الأبناء بخدمتهم بأكثر مما تستطيع.

وقال: إن الموظف الذي يطالبه مديره بعمل خارج وقت الدوام ويتقلب الموظف بين أن يُلبي طلبات المدير ويؤدي هذا العمل وبين أن يرفض الطلب لأن وراءه التزامات أُخرى ووقته محدود أو مقسم إلى أمور خاصة، فهنا يبتدئ يتعرض الموظف إلى القلق ما لم يستطع بطبيعته أن يُقسم الوقت، وأن يستطيع أن يتجاوب مع المدير، أو حتى أن يمتنع عن هذا الطلب بحيث يستطيع أن يريح نفسه، ويتأقلم مع الوضع إمّا بالموافقة وأداء العمل عن قناعة ويستطيع بهذا الشكل أن يتأقلم ويبتعد عن أي قلق وعن أي توتر، أو أن يرفض ويمتنع عن العمل بأسلوب لابد أن يكون جميلاً ولطيفاً، بحيث لا يتسبب في مشاكل مع مديره أو مسؤوله.

مختص في أمن المعلومات يحذّر من ثغرات وسائل التواصل!

أوضح د. حمد المحامض – مختص في أمن المعلومات وهندسة البرمجيات– أنه لا يوجد جهاز أو تطبيق متصل بالإنترنت آمن (100%)، فعند الاتصال بالإنترنت تصبح الأجهزة والتطبيقات عرضة للهجمات الإلكترونية، وإذا ما تحدثنا على وجه الخصوص عن تطبيق «الواتس آب» فإن التطبيق وجد به ثغرات أمنية منذ إصداره حيث إن الإصدارات الأولى من التطبيق لم تكن الرسائل تشفر وإنما كانت ترسل نصوصاً عادية من السهل اعتراضها وقراءتها بكل سهولة، وتم تطوير التطبيق إلى أن أصبحت المحادثات مشفرة، وبعد استحواذ شركة «الفيس بوك» على تطبيق «الواتس آب» استمرت في تطويره، وادعت بأن التطبيق آمن ويتم تشفير الرسائل على مستوى المستخدم النهائي في نسخة «الأندرويد» حيث إن الشركة نفسها لا تستطيع قراءة المحادثات، ولمعرفة آلية التشفير على مستوى المستخدم النهائي فإن كل هاتف ذكي على مفتاحين واحد خاص يكون موجودا فقط في الهاتف ولا يمكن مشاركته مع أحد، والآخر عام ويمكن مشاركته مع الآخرين، فعند بدء محادثة مشفرة من هذا النوع يتم تبادل المفتاح العام لكل جهاز وبخوارزمية معينة تجمع بين المفتاح الخاص الموجود في نفس الجهاز والمفتاح العام للجهاز الآخر يتم عمل مفتاح مشترك موقت لتشفير المحادثات بين الطرفين.

وأضاف: لكن السؤال هنا هل فعلاً الشركة دائماً تستخدم هذا النوع من التشفير؟، والجواب: لا، فعند فحص الاتصال بين جهاز «أندرويد» وجهاز «آيفون» وجد بأن هذه الخاصية غير مفعلة وهذا يقودنا إلى استنتاج مهم ومقلق في نفس الوقت وهو أن الشركة تستطيع إيقاف هذه الخاصية وتفعيلها متى ما أرادت ذلك، ففي حالة رغبة الشركة اعتراض المحادثات فإنها تستطيع أن تقوم بإيقاف هذه الخاصية دون معرفة المستخدم بذلك أمّا نسخة التطبيق المثبتة على «الآيفون» فإنه لا يستخدم خاصية التشفير على مستوى المستخدم النهائي مما يجعله أقل أماناً.

وأشار إلى أن جميع المحادثات تمر عبر «سيرفرات» الشركة في الولايات المتحدة ويتم تخزين الصور ومقاطع الفيديو لمدة لا نعلمها ولا نعلم ماذا تفعل الشركة بهذه البيانات، لذلك مسألة الأمان والخصوصية محل شك لدى المختصين في أمن المعلومات خاصةً إذا ما علمنا أنه بإمكان الشركة عمل ما يُسمى الباب الخلفي (Backdoor)، حيث تستطيع الدخول وقراءة المحادثات دون أن يشعر المستخدم بأي شيء، علاوةً على ذلك فقد عُرف عن «فيس بوك» تعاونها مع وكالة الأمن القومي الأميركية ومكتب التحقيقات الفدرالي، فقد تحدثت تقارير إخبارية عن اعتراض رسائل «واتس آب» من قبل محققين فيدراليين قاد إلى القبض على خلية إرهابية في بلجيكا.


تكليفات العمل يجب أن تكون عبر الطرق الرسمية حفاظا على خصوصيتها

نايف العتيبي

خالد الحسينان

سعيد العُمري

د. حمد المحامض

د. طارق البار