من يقرأ أدبيات الإسلام السياسي يلفت نظره الغياب الواضح لمشروع مستقبلي يمثل الأهداف والتصورات المستقبلية فجماعة التبليغ مثلا لا يوجد لديها أدبيات لا مستقبلية ولا علمية بل حاربوا وجود المكتبات الكبيرة وادعوا أنها اذا لم تُقرأ ويعمل بما فيها فهي تشهد على صاحبها يوم القيامة، وتصبح وبالاً عليه
إن من يقرأ أدبيات الإسلام السياسي يلفت نظره الغياب الواضح لمشروع مستقبلي يمثل الأهداف والتصورات المستقبلية فجماعة التبليغ مثلا لا يوجد لديها أدبيات لا مستقبلية ولا علمية بل حاربوا وجود المكتبات الكبيرة وادعوا أنها اذا لم تُقرأ ويعمل بما فيها فهي تشهد على صاحبها يوم القيامة، وتصبح وبالا عليه لهذا تجد أن عموم جماعة التبليغ لا يوجد في بيوتهم مكتبات خشية إثمها وهو توجه يهدف منظّروه منه قصر اهتمام اتباع الجماعة على العبادات والسلوك وهو توجه صوفي قديم تبناه مجموعة من الزهاد والصوفية.
يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: «ليس في الوجود شيء أشرف من العلم، كيف لا وهو الدليل، فإذا عُدم وقع الضلال، وإن من خفي مكائد الشيطان أن يزين في نفس الإنسان التعبد ليشغله عن أفضل التعبد، هو العلم، حتى إنه زين لجماعة من القدماء أنهم دفنوا كتبهم ورموها في البحر.
وهذا قد ورد عن جماعة. وأحسن ظني بهم أن أقول: كان فيها شيء من رأيهم وكلامهم فما أحبوا انتشاره. وإلا فمتى كان فيها علم مفيد صحيح لا يخاف عواقبه، كان رميها إضاعة للمال لا يحل وقد دنت حيلة إبليس إلى جماعة من المتصوفة حتى منعوا من حمل المحابر تلامذتهم. وحتى قال جعفر الخلدي: لو تركني الصوفية جئتكم بإسناد الدنيا، كتبت مجلساً عن أبي العباس الدوري فلقيني بعض الصوفية فقال: دع علم الورق، وعليك بعلم الخرق. ورأيت محبرة مع بعض الصوفية. فقال له صوفي آخر: استر عورتك وقد أنشدوا للشبلي:
إذا طالبوني بعلم الورق
برزت عليهم بعلم الخرق
وهذا من خفي حيل إبليس، «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ»، وإنما فعل وزينه عندهم لسببين: أحدهما: أنه أرادهم يمشون في الظلمة.
والثاني: أن تصفح العلم كل يوم يزيد في علم العالم. ويكشف له عما كان خفي عنه، ويقوي إيمانه ومعرفته، ويريه عيب كثير من مسالكه خصوصاً، إذا تصفح منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة.
فأراد إبليس سد تلك الطرق بأخفى حيلة، فأظهر أن المقصود العمل، لا العلم لنفسه، وخفي على المخدوع أن العلم عمل وأي عمل.
فاحذر من هذه الخديعة الخفية، فإن العلم هو الأصل الأعظم، والنور الأكبر».
هذا الكلام ذكره ابو الفرج ابن الجوزي المتوفى في اواخر القرن الخامس وهو ينطبق على مجمل الطرق الصوفية المعاصرة عموما وينطبق على جماعة التبليغ على وجه الخصوص وقد عرفتهم عن قرب ولهذا فهذه الجماعة مفرخة لصالح الجماعات الأخرى، وكم من كادر من كوادر جماعة التبليغ انفصل عنهم لكي يؤسس جماعة خاصة به.. وغني عن القول إن الستة الذين أسسوا الجماعة السلفية المحتسبة خمسة منهم كانوا من جماعة التبليغ وواحد من الإخوان المسلمين.
أما العناصر المنتمية للسلفية فلا يوجد عندهم أي مشروع مستقبلي فأدبياتهم الكثيرة والموجودة لا يوجد فيها ما يدل على ذلك بل هم لا يتصورون في المستقبل إلا الفتن وأشراط الساعة وقد شاع بين الجماعة السلفية المحتسبة كتاب احتفوا به كثيرا منذ صدوره في عام 1394هجرية وكان له تأثير عليهم وهو كتاب إتحاف الجماعة في الفتن واشراط الساعة للشيخ حمود التويجري كان هذا الكتاب يصطحبه جهيمان معه في رحلاته الدعوية مع مجموعة كتب اخرى منها تفسير السعدي وكان جهيمان معجبا به ودائم المدح له.
يقول جهيمان في رسالة الفتن وأخبار المهدي: «اعلم ان قد كثر الخلط في معظم الكتب التي صنفت في اخبار المهدي والدجال والملاحم، من عدم تفريق بين صحيح الاحاديث وضعيفها، ومن عدم ترتيب للوقائع لذلك جهدنا في تدارك هذا الامر قدر طاقتنا منذ ثماني سنوات بتتبع الطرق التي ذكرها المصنفون في هذا الباب صحيحها وضعيفها ثم جمعنا ما صح وتجنبنا التكرار في الروايات قدر المستطاع وربما تكرر بعضها لزيادة في إحداها يستفيد القارئ منها وننصح إخواننا بقراءة بعض كتب، منها الكتب المؤلفة لبعض العلماء منهم: ابن القيم رحمه الله في كتابه (المنار المنيف)، مع الحذر من التعليقات التي ادخلت فيه من جانب المعاصرين، وكتاب (إتحاف الجماعة) للشيخ حمود التويجري وفقه الله، مع الحذر من الروايات الضعيفة فيه، وقد تكلم هو على بعضها، وقد أجاد في الرد على بعض أصحاب العقليات الزائفة ممن ابتلي بهم المسلمون فاحرص على الاستفادة منها، وللشيخ قدم راسخة في هذا الباب زاده الله توفيقا».
نعود لكتاب إتحاف الجماعة هذا الكتاب يرسخ مفهوم أننا في آخر الزمان وأن علامات الساعة على وشك الوقوع قريبا جد.
كانت الجماعة السلفية تقرأ هذا الكتاب في مجالسها العامة والخاصة وتكثفت القراءة لباب أننا على أبواب رأس قرن وفي رأس كل قرن يبعث الله لهذا الدين من يجدده وهو مفهوم لنص حديث مشهور الخلاصة أن هذه الجماعة ليس لها مشروع مستقبلي للأمة وقصرت مفهومها على الرؤية الملحمية للمستقبل.
الجماعة الثالثة التي نود الحديث عنها هنا هي جماعة الإخوان المسلمين.
إن من يتأمل ادبيات هذه الجماعة منذ تأسيسها في عام 1928م وحتى هذه الساعة يلفت نظره انها لم تقدم مشروعا مستقبليا للأمة بمفهوم المشروع ولم تحسم قضايا دار النقاش حولها كثيرا مثل «الأقليات» و»حقوق المرأة» و»الحريات» بل لا نجد في ادبياتهم الا العموميات في هذا الشأن وبشكل فردي حتى مشروع النهضة الذي جاء متأخرا جدا لم يكن هو المأمول من جماعة لها في العمل السياسي ثمانون سنة تقريبا، وهنا نستثني جماعة النهضة التونسية فهم قد حسموا الكثير من مسائل الأمة عندهم مبكرا وحسب رؤيتهم.
الجماعة الأخيرة التي نود الحديث عنها هنا هي «جماعة حزب التحرير الإسلامي» هذه الجماعة من اغرب الجماعات الإسلامية وافشلها من حيث تصور الواقع ونقد الذات فمنذ تأسيسها سنة 1953م على يد تقي الدين النبهاني وهم يقدمون أنفسهم كجماعة اسلامية سياسية مستنيرة وفي نفس الوقت يسجنون انفسهم في المرحلة المكية من تسلسل الدعوة عندهم فالمرحلة المكية عندهم تمثل بداية الدعوة وعدم التمكين وعليه فهم لا يمارسون أي دور من أدوار المجتمع المدني لأنه مؤجل عندهم حتى مرحلة التمكين وقيام الدولة كما انهم يحرّمون امورا الى درجة الكفر لكنهم يجيزون لأفرادهم القيام بها بشكل فردي أما المستقبل عندهم فهو مؤجل حتى مرحلة التمكين.
naser.zaha@gmail.com
1
ابو عمر
2016-03-11 22:00:51مقال ثري بالمعلومات و موضوعي.
2
سعد
2016-03-11 17:23:40بارك الله فيك يا أستاذ ناصر وسلمت أناملك.
أرجو منك ومن جريدتنا الغراء أن تكثر من الكتابة في التراث بمختلف مناحيه.
فطريقتك في الكاتبة قريبة من القارئ العادي ( مثلي) خالية من التنطع اللغوي والا ستعراض المعرفي الذي نواجهه عند الكثيرين.
ندعو لك بالصحة وطول العمر في طاعة الله