شنت حركات اليمين المتطرف الاسرائيلية مؤخراً حملة شرسة ضد المنظمات الحقوقية والشخصيات المناهضة لسياسات الاستيطان، والاحتلال المستمر منذ العام ١٩٦٧ للأراضي الفلسطينية، والتمييز ضد مواطني إسرائيل العرب. بزعم أن هؤلاء ينفذون اجندات أجنبية ويتلقون دعماً مالياً من الخارج.

وقادت الحملة حركتي "ام ترتسو" و "عد كان" وركزتا على منظمتي "بتسيلم – مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية" و"كسر الصمت" التي تنشط في جمع شهادات من الجنود حول ممارسات الجيش وانتهاكات قوانين الحرب، سواء في الحروب المتتالية على قطاع غزة أو الممارسات اليومية لجيش الاحتلال في الضفة الغربية.

ونشرت “إم ترتسو” (إذا ردتم) تقريراً وفيلماً قصيراً استعرضت فيه نشاط ٢٠ منظمة ومصادر تمويلها، وزعمت أن هذه المنظمات تنشط ضد المجتمع والجيش الاسرائيلي، وتلحق الضرر بقدرة على الدفاع عن نفسها.

أما حركة “عد كان” (حتى هنا) فقالت إنها زرعت نشطاء تابعين لها داخل هذه المنظمات ورصدت هي الاخرى ما وصفته باتصالات ناشطين يساريين مع نظرائهم الفلسطينيين لتنسيق تحركاتهم ضد المستوطنين.

واللافت في هجوم اليمين على المنظمات الحقوقية هو صمت نواب أحزاب المعارضة الصهيونية، باستثناء نواب حزب "ميرتس" اليساري، وتغاضيهم عنها، وذلك على خلفية الاجماع في إسرائيل على رفض أي انتقاد للجيش وأجهزة الدولة.

غير أن منظمة "كسر الصمت" ردت على حملة "إم ترتسو" بفيلم قصير أشارت فيه الى رفض الحركة اليمينية الافصاح عن مصادر تمويلها أيضاً، واقتبست "كسر الصمت" كلاماً للقس جون هيغي، الذي سبق أن تبرع للحركة اليمينية، أدعى فيه أن هتلر نفذ إرادة الرب عندما أحرق اليهود.

وقال الناشط اليساري يشاي منوحين "إن هذه الافلام تستبيح دماءنا، وحركات اليمين تعتمد أجواء الخوف والتحريض، ونتيجة لهذه الافلام سيقدم أحد على ارتكاب عمل ما".

نشاط هذه المنظمات اليمنية امتد أيضاً ليشمل الادباء والفنانين الاسرائيليين بزعم علاقتهم المشبوهة بالمنظمات اليسارية "بتسليم" و "يش دين" و "كسر الصمت". وأطلقت حركة "ام ترتسو" حملة أخرى بعنوان "مزروعون في الثقافة". وبررت الحملة استهدافهم بأن هؤلاء المثقفين من المنتقدين الدائمين لحكومة نتنياهو.

غير أن استهداف الرموز الثقافية هذه المرة أثار حفيظة السياسيين، ودفع بعضهم الى انتقاد الحملة اليمينة ضدهم. وقال عضو الكنيست بيني بيغن، من حزب الليكود وأحد رموز اليمين، إن "وسم أشخاص وكأنهم خائنون هو مؤشر فاشي قديم وبشع وخطير".

وقال رئيس كتلة "المعسكر الصهيوني" والمعارضة، إسحاق هيرتسوغ، إن "المكارثية تحاول السيطرة على إسرائيل. وإبداع فناني وأدباء إسرائيل سيبقى إلى الأبد. والمكارثية الإسرائيلية والأصفار التي تقودها سيختفون مثلما اختفوا في الولايات المتحدة. والسؤال فقط هو متى وكم سيكلفنا ذلك؟".

وانتقد رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف ووزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، هذه الحملة ضد المثقفين، وكتب في حسابه في تويتر أن "الحملة ضد الفنانين محرجة ولا داعي لها ومهينة".

وكان نتنياهو آخر المعقبين وقال في بيان مقتضب وبتهكم "إنني أعارض استخدام مصطلح خائن لوصف أولئك الذين لا يتفقون معي. وفي الوقت نفسه معظم الاسرائيليين يعارضون كسر الصمت بشدة".

وتحت ضغط ردود الفعل هذه، نشرت "إم ترتسو" الجمعة الماضية في صفحتها على موقع "فيسبوك" تعليقا تعتذر فيه عن حملتها ضد المثقفين، جاء فيه أنه "طرحنا منشورا خاطئا حول موضوع هام جدا وجوهري، ولذلك تحديدا كان علينا أن نكون حريصين أكثر. ونحن نتحمل المسؤولية كاملة ونتعهد بمواصلة من أجل إسرائيل وجيشها".

وأعلن مدير "إم ترتسو" متان بيلغ تنحيه من منصبه في أعقاب العاصفة التي أثارتها حملة "المزروعون في الثقافة".

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن بيلغ قوله في رسالة بعث بها إلى نشطاء الحركة اليمينية، إن حملة التحريض على الأدباء والفنانين كانت "خطوة خاطئة ألحقت أضرارا ليس ب"إم ترتسو" وشركاء الطريق فقط، وإنما أحدثت انطباعا خاطئا حيال ملاحقات شخصية".

وأضاف بيلغ أنه يتحمل المسؤولية عن حملة التحريض هذه وعن عاصفة ردود الفعل التي أعقبت النشر.

فيما اعتبر أن حملة التحريض التي شنتها الحركة ضد المنظمات الحقوقية بعنوان "مزروعون" حققت "نجاحا كبيرا"، وقال إن حركته ستستمر في دفعها.


بوستر حملة «إم ترتسو» ضد المثقفين المناهضين للاحتلال