لاشك أن ارتفاع معدلات الاستهلاك الترفي في مجتمعنا السعودي الفتي الذي يصل حد الإسراف ومظاهر التبذير يمثل مرضا من الأمراض الاجتماعية - الاقتصادية، فبعض الإفراد ينفق المال على سلع كمالية، وفي مناسبات غير ضرورية بقصد التباهي، وحب الظهور، وتعويض نقص اجتماعي مركب، والإفراط والإسراف في الأكل والملبس والمشرب بصورة تخالف قواعد الضبط الأخلاقي والديني والاجتماعي لدرجة أن حمى الاستهلاك التفاخري طالت حتى أصحاب الدخل المحدود في سبيل مجاراة النمط العام!
لكن الكارثة الاستهلاكية الحقيقية -مع الأسف- ظهرت بوجه أقبح ألوان (التباهي والبذخ والإسراف) من ثلة من فئات المجتمع (تتعولم) بدرجة كبيرة بفعل التقنية وهيمنة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعية، فئة تمارس سلوكا اجتماعيا مستهجنا، ومستعرض يحمل نمط الهياط الاجتماعي في قالب الاستهتار بالنعم وكسر معايير المجتمع الأصيلة وقيمه الدينية الفضيلة مثل ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعية من مقاطع الفيديو من صور الإفساد بالمال والإسراف في النعم كمقطع غسل اليدين بدهن العود وتخصيص ذبيحة كاملة لكل ضيف أو ذلك المقطع الذي يظهر فيه مواطن يصور ناقته وهي تأكل أمواله وضعها من باب التفاخر والبذخ والتباهي.. وغيرها من مقاطع الجهل المركب والاستهتار والإسراف المذموم الذي لا يقبله دين ولا عقل.
هذه الممارسات المناهضة، والسلوكيات البغيضة، تحمل في باطنها دلالات وأشياء مزيفة لا تعبر عن الجوهر بل المظهر، والكارثة الاسوأ عندما يصل الاستهلاك التفاخري، أو الهدر البهرجي حد الهوس والمرض، ومن طبقه ليست بطبقة مخملية! ساعتها يصبح هذا النمط (برستيج البسطاء)، وفي السنوات الأخيرة أصبحت العقلية الاستهلاكية المتباهية هي الثقافة المهيمنة على سلوك وفكر وممارسات بعض إفراد المجتمع في ظل ضعف الوازع الديني، وغياب الوعي الاستهلاكي الرشيد.
مع إن قضية الوعي في ترشيد الاستهلاك وضبط توازنه تجاوزته معظم المجتمعات المتحضرة والشعوب المتفتحة.
ونحن مع الأسف في قضيتنا مع الوعي نأخذ فقط القشور التي تكشف عمق أزمتنا الثقافية مع الوعي إما أرباب (الهياط الاجتماعي) فسلوكهم الاستهلاكي الترفي وتفاخرهم المرضي فهو ينم عن نقص اجتماعي ونفسي مركب ناتج عن صراعات داخلية لغرائز دفينة وقمعية كما يقول علم الاجتماعي النفسي، كما يمكن إرجاع مثل تلك التصرفات الشاذة والممارسات المناهضة لقيم الدين الإسلامي ومعايير المجتمع الأصيلة، إلى خلل وظيفي في التنشئة الاجتماعية وعملياتها، النفسية والتربوية والأخلاقية والفكرية والدينية والعقلية، منذ الصغر، كما أن من العوامل المؤدية إلى ظهور مثل تلك المسرحيات الترفيه، والمسلسلات التفاخرية، العامل الثقافي المتمثل في التطور التكنولوجي، وبالذات مع ظهور وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي التي شجعت وحفزت على قيام بعض (السفهاء) بمظاهر المباهاة والتفاخر الجاهلي في البذخ والتبذير والإسراف ونشر مقاطعهم الزائفة بحثا عن الطريق الأقصر لإشباع رغباتهم الرخيصة والأسهل للصعود لسلم الشهرة والتباهي الانهزامي أمام الرأي العام الاجتماعي.
وحتى لا تتسع دائرة الهياط الاجتماعي وتتفاقم قضية الاستهلاك التفاخري وانتشار حالاتها المرضية في نسيجنا المجتمعي ينبغي التصدي لهذه الأزمة الثقافية الاجتماعية برفع سقف الوعي الاجتماعي وتنوير الرأي العام بخطورة التباهي بكفر النعم وانعكاس القضية على البناء الاجتماعي ووظائفه من خلال تفعيل دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية بدءا من أهم ركيزة تربوية الأسرة مرورا بالمؤسسات التعليمية والتربوية وكذلك المؤسسات الإعلامية والثقافية وأخيرا المؤسسات الدينية التي تلعب دورا محوريا وحراكا تنويريا في توعية المجتمع نحو اثأر كثير من الظواهر والمشكلات الاجتماعية الخطيرة ومنها قضية المباهاة والكفر بالنعم خاصة، وان تأثير المؤسسات الدينية من خلال المنابر الإعلامية وخطب الجمع في إيصال المضمون والتوجيه والمحتوى التوعوي أكثر من تأثير الإذاعة والتلفاز مع ضرورة ردع مثل هذه الممارسات الجاهلية بسن أنظمة وقوانين صارمة تجرم سلوكيات التبذير والإسراف والتباهي الاستهلاكي الترفي.. المرفوض" شرعيا وقيميا واجتماعيا وحضاريا".
- باحث أكاديمي - متخصص في القضايا الاجتماعية
1
ابوباسل
2016-02-14 20:10:52فعلا نحتاج إلى رادع يردع مثل هؤلاء السفهاء
والأخذ على أيدهم بالحزم حتى تنتهي مظاهر كفر النعم
ونسأل الله أن لا يؤخذنا بما فعل السفهاء منا والواجب
علينا نصحهم وتوجيههم..لأنهم قد يكونوا سبب لهلاك الامه
كما قال سبحانه..وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها،
ففسقوا فيها، فحق عليها القول فدمرناها تدميرا..الاسراء
2
muna alali
2016-02-14 13:12:46لله درك