هنالك جفوة بين المبدعين والنشر في الصحف والمجلات، حقيقة ليست غائبة لدى الكثير، فما ينشر في المجلات الأدبية الدورية والمجلات الشهرية - على قلتها- إضافة إلى الملحقات الثقافية والصفحات الثقافية في الصحف اليومية محدود جداً، ولايغطي ذلك العدد الكبير من الشعراء وكتاب القصة والرواية من الجنسين، وهذا واضح لي لعلاقتي المباشرة بمجلة شهرية وصحيفة يومية، وكلاهما يفتح مساحة كبيرة للإبداع، ولكن ثمة غياب.

في المقابل نجد حركة نشر كبيرة من خلال المؤسسات المختلفة وبالذات الأندية الأدبية ودور النشر المحلية والعربية، ونلحظ ذلك في حفلات توقيع الكتب في معرض الرياض الدولي للكتاب وكذلك معرض جدة الدولي للكتاب، عناوين مختلفة، وأسماء متعددة، وصديقنا العزيز الأستاذ خالد اليوسف يقدم رصداً لما صدر في مجال الأدب في المملكة العربية السعودية، وتفاجئنا أعداد الكتب الصادرة من دواوين شعرية ومجموعات قصصية وروايات، أغلبها لكتاب لم تطرح أسماؤهم على صفحات الصحف، فتكون معرفتهم من خلال تلك الإصدارات، وإلا سيكونون غرباء على القارئ ما لم يصل انتاجه إلى أيديهم.

ربما فضل اكثر الكتاب من جيل الشباب أن تكون نافذتهم الأولى للإطلالة على القراء من خلال المواقع الإلكترونية، لاسيما أن مواقع مثل "موقع القصة العربية" ووراءه كاتب قصة مبدع وهو الزميل جبير المليحان، هذا الموقع انطلق منه أكثر كتاب القصة، في المملكة والوطن العربي، وجمع أسماء كثيرة متفاوتة الإبداع تحت مظلة واحدة ليسهل الوصول إليهم، هنالك مواقع أخرى، وهنالك من آثر أن تكون له مدونته الخاصة ليطل منها على كل متصفح وباحث عن الإبداع عبر الشبكة العنكبوتية.

ربما نعذر أغلب الكتاب والكاتبات عندما يهجرون النشر الورقي في الصحف والمجلات، ويتجهون للفضاء الإلكتروني، لأن بعض الصحف تخضع لمزاجية المشرف على الصفحات الثقافية بها لنشر ما يراه مناسباً أو مجازاً في صفحته أو ملحقه أو مجلته، إضافة إلى أن سقف الحرية المتاح في الورقي أقل كثيراً من الإلكتروني، ولكن من وجهة نظري أن النشر الورقي بالذات في وضعنا العربي الحالي وسيلة مهمة للتعريف بالمبدع أو المبدعة.

من جانب آخر أرى أنه مهم للغاية، ثمة مشكلة في مجلات الأندية الأدبية، وقد سبق أن تحدثت عن ذلك، لكم أن تتخيلو أن هنالك مجلة تهتم بالسرد، تصدر عن نادٍ ثقافي متميز وهو نادي جدة الأدبي الثقافي، هذه المجلة أو الدورية غير موجودة مطلقاً في مراكز بيع الصحف والمجلات، بمعنى لا نجدها مع المجلة العربية أو مجلة العربي أو دبي الثقافية، في تلك المراكز المحدودة، ولا نحصل عليها إلا بزيارة النادي أو تفضل أحد الأصدقاء بجلب نسخ وتوزيعها، أو طلبها، وكذلك مجلة "عبقر" وهي خاصة بالشعر، وينطبق ذلك على بقية المجلات الصادرة عن الأندية الأدبية، تلك المجلات لو اعتنى بها بصورة جيدة، وبدأت تصدر بانتظام، وتم توزيعها في كل مركز التسويق لأصبحت نافذة جيدة لوصول كثير من المبدعين إلى القراء، ومن خلالها تتم غربلة ماهو جيد وما هو رديء، فماينشر في تلك المجلات سيكون محفزاً للنقاد بدراسة ما يصدر من مجاميع قصصية أو دواوين شعرية أو ما ينشر من نصوص في تلك المجلات، وأذكر أن أول تواصل لي مع النقاد من خلال نص نشر قبل أكثر من ربع قرن قرأه الدكتور محمد الشنطي ووجد فيه شيئاً مختلفاً وكتب عنه دراسة أثرتني كثيراً، أتمنى من الأجيال الجديدة من المبدعين التواصل مع المجلات الشهرية المعروفة والملحقات الثقافية وحتماً سيجدون من يهتم بنشر إبداعهم إذا كان متميزاً وبكل تأكيد سيصل إلى القراء، ليكون محفزاً على اقتناء إصداراتهم عندما تجد طريقها للنشر.