«هل قام شكسبير حقًا بكتابة مسرحياته؟»، يُطرح هذا التساؤل الغريب في مقطع يوتيوبي قصير وجميل يتناول قضية التشكيك في حقيقة كتابة الأديب العالمي للأعمال الأدبية التي تُنسب إليه، والأغرب من ذلك أن المقطع يتحدث عن المشككين في حقيقة وجود شخصية شكسبير والزاعمين بأنها شخصية وهمية يقف وراءها مجموعة من الكتاب الذين استعاروا هذا الاسم لإنتاج الأعمال العظيمة المشهورة. قضية التشكيك في وجود شخصيات أدبية شهيرة -أو التشكيك في نسبة بعض الأعمال إليها-قضية معروفة تُثار في كل عصر من عصور الأدب وبدوافع مُتباينة، ولعل أشهر الحالات في أدبنا العربي حالة عميد الأدب العربي طه حسين في تعامله مع الشعر الجاهلي، والتي أثار من خلالها في كتابه (في الشعر الجاهلي) قضية الشك في صحة شعر ذلك العصر، وصرح بكل جرأة بأن «الكثرة المطلقة مما نُسميه شعرًا جاهليًا ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منتحلة مختلقة بعد ظهور الإسلام»!

قبل الإشارة إلى بعض مساوئ الإسراف في اعتماد الشك كمنهجية أقول: بأن الجميل في المقطع أنه يتحدث عن استخدام طُرق علمية في فحص إنتاج شكسبير لإثبات دعوى المشككين أو نفيها، فقد أتاح علم اللسانيات فحص سياق النص بشكل دقيق والتعرف على مُبدعه الأصلي بواسطة «بصمة الأسلوب» التي وضعها أحد الفلاسفة، وتقوم طريقة بصمة الأسلوب –بحسب المقطع- على فكرة أن «أسلوب كل كاتب يتميز بخصائص متشابهة تقريبًا في كل أعماله»، و يتم الكشف عن بصمة الأسلوب بتأمّل خصائص النص: كمتوسط طول الجمل وترتيب الكلمات وعدد تكرار كلمة معينة في نصوص الكاتب اعتمادًا على الإحصاء والتحليل.

يُشير طه حسين في كتابه المذكور آنفًا إشارة سريعة إلى «لذة الشك»، وهي اللذّة التي تتولد من البحث والتفكير والتدبر في حقيقة بعض الأمور التي تُعد من المسلمات والوصول فيها إلى نتائج مختلفة، لكن الملاحظ هو وجود أشخاص يتلذّذون بالشك ويتحول بين أيديهم إلى شكل من أشكال العبث الذي لا طائل من ورائه، ويتجلّى لنا هذا النمط من الشك في مظاهر متنوعة من بينها استسهال التشكيك في قدرة بعض الشعراء على كتابة بعض قصائدهم الناجحة لمجرد تباين مستواها مع مستوى قصائد أخرى، وكذلك التشكيك في قدرة الأثرياء وأصحاب الجاه على الإبداع واتهامهم بشراء الأشعار التي ينشرونها أو اتهامهم بتوظيف شعراء يكتبون لهم حسب الطلب رغبةً في الشهرة ولفت الأنظار.

هذه بعض مظاهر الشك التي يتعلق أصحابها في أغلب الأحيان بخيوط واهية وأدلة شديدة الضعف، ولا يكلف أولئك الأشخاص أنفسهم عناء البحث والتدقيق ناهيك عن القيام بأي عمليات إحصاء أو تحليل لإنتاج الشاعر، وتكون المحصلة النهائية لشكهم كلامًا فارغًا لا يُعد نقدًا ولا يُمكن أن يقتنع به شخصٌ عاقل.

أخيرًا يقول مشعل بن فالح الذيابي:

شوفي عيوني كان عندك تساؤل

تلقين فيها الأجوبة والتفاصيل

إن كان علّمك الصباح التفاؤل

على الوفا والصبر علّمني الليل