الشيخوخة مرحلة لا بد أن يمر بها كلنا (ما لم تكن من الذين تقتلهم حوادث السيارات في سن الشباب)..

وهي مرحلة عمرية لا تثير اهتمامنا غالبا قبل وصولنا إليها فعلا.. وهذا بدون شك خطأ كبير كون العيش إلى سن متقدمة (وبصحة جيدة) أمر يجب التحضير له في سن مبكرة.. صحيح أن أجسادنا مبرمجة مقدما لدخول مرحلة الشيخوخة، وصحيح أن لكل داء دواء إلا الهرم؛ ولكن هذا لا يعني عدم إمكانية تأخير الشيخوخة قبل حدوثها بعشرين عاما على الأقل..

لست مبالغا بهذا الرقم كون هناك أمور نفعلها في سن الشباب (كالتدخين والسمنة وشرب الكحول والبدانة المفرطة) من شأنها الإسراع بسن الشيخوخة أو تأخيرها.. فحين تبدأ مثلا بالتدخين أو تناول الكحول (في سن الشباب) أحسب لنفسك عشرين عاما تالية قبل أن تبدأ رئتاك بالتهتك وكبدك بالتليف وقلبك بالوهن وتدخل فعليا في مرحلة الشيخوخة المبكرة..

وفي المقابل يمكنك العيش بصحة جيدة إلى سن الثمانين والتسعين من خلال تلافي المؤثرات الصحية السيئة ومكافحتها قبل حدوثها مبكرا.. خذ كمثال ترقرق العظام الذي تعاني منه النساء بعد انقطاع الطمث (ويتسبب في سهولة كسر الأطراف).. هذه الحالة يمكن تلافيها في حال تناولت المرأة كميات إضافية من الكالسيوم وفيتامين دال منذ سن الشباب.. كما يمكن للرجال تفادي أمراض القلب والشرايين (القاتل الأول لهم) بمراعاة مسبباتها (كالأطعمة المشبعة بالكولسترول) والوقاية منها في سن مبكرة (بتناول حبة أسبيرين يوميا من سن الخامسة والثلاثين)..

وليس أدل على هذه الحقائق من ارتفاع متوسط العمر هذه الأيام في كافة الدول (حيث يتجاوز في فرنسا وايطاليا والسويد الثمانين عاما مقابل 25 في القرون الوسطى).. ويعود السبب إلى التغذية الجيدة، والرعاية الصحية المتقدمة، وثقافة الناس ووعيهم بالعوامل المؤثرة على صحتهم..

وكنت قد قرأت مؤخرا تقريرا من معهد طب الشيخوخة الأميركي جاء فيه "ان سرعة وتأخر سن الشيخوخة أمر تحدده جيناتنا الوراثية بنسبة 25% ".. وهذا بالنسبة لي يعني أن 75% من المسببات المتبقية تعتمد على نظرتنا لأنفسنا واختياراتنا الشخصية التي تبنيناها في سن الشباب..

ومن كل هذا ندرك خطأ ربط الشيخوخة بسن معينة كونها مرحلة نسبية ومطاطة (وشعور شخصي) قد تبدأ مبكرا في سن الأربعين.. وقد تتأخر إلى سن الثمانين!

.. أيضا من المفاهيم الخاطئة حول الشيخوخة أنها تتسبب في وفاة البشر.. وهذا غير صحيح..

فالشيخوخة لا تقتل أحدا، ويمكن للانسان أن يتجاوز سن المئة (ويصبح جلدا على عظم) دون أن يموت فعلا.. ما يحدث غالبا هو أن الشيوخ يبقون في صحة جيدة حتى يصابوا بمرض أو عدوى أو حادث بسيط فيتم إهماله أو يعجز الجسم عن مقاومته فينهار فيموتون في النهاية بسببه (وأنصحك بالبحث عن مقال خاص بهذه الظاهرة تجده في جوجل تحت عنوان: الجاذبية الأرضية من أهم أسباب وفاة كبار السن)!

.. وما يجب على الشباب معرفته فعلا (بخصوص الشيخوخة) يمكن اختصاره في قصة الطبري الذي ركب يوما مع شباب في زورق فلما اقتربوا من الشاطئ قفز من فوقه نحو الأرض فحاول الشباب أن يقفزوا مثله فعجزوا فقالوا: ماهذه القوة ياشيخ أنت في الثمانين ونحن شباب لم نستطع ذلك فقال: هذه أعضاء حفظناها في الصغر فحفظها الله لنا في الكبر..

.. ومن ينكر أن السيارة التي تتم المحافظة عليها تعيش أطول بكثير من سيارة يقودها مراهق مهمل يقضي عليها خلال عام أو عامين..!