مشكلة الإسكان متعددة الأسباب، ومختلفة الأوجة، وحلها يتطلب تحقيق تضافر جهود جميع قطاعات الدولة المختصة من عامة وخاصة، وإحداث تغيير جذري في ثقافة أفراد المجتمع السكنية. وإيجاد حلول مبتكرة فيما يتعلق بتطوير أنظمة التخطيط والبناء والتمويل، فالمشكلة لا تنحصر في جملة وزير الإسكان التي عبر فيها بأن "مشكلة الإسكان هي مشكلة فكر" فهو يقصد بالتأكيد أنها "مشكلة ثقافة" ولكنه أخطأ في اختيار الكلمة المناسبة، فعبر عن المشكلة بوصفها بأنها "مشكلة فكر" وهو يقصد بأنها "مشكلة طريقة تفكير". ردود الأفعال توضح بأن الأغلبية فهموا كلمة الوزير خطأً، أما الوزير فأخطأ في قصر مشكلة الإسكان على هذا السبب فقط، في حين أن الأسباب كثيرة والأوجه متعددة.

مشكلة الإسكان لا يمكن قصرها على جانب واحد فقط، ولا حصرها في سبب محدد وحيد، وإنما تتعدد وجوهها وأسبابها؛ فمنها ما يتعلق بالمواطنين.. ومنها ما يتعلق بالملاك.. ومنها ما يتعلق بالمطورين.. ومنها ما يتعلق بالمضاربين.. ومنها ما يتعلق بالجهات الحكومية المختصة.. ومنها ما يتعلق بالمؤسسات التمويلية العامة والخاصة.

فما يتعلق بالمواطنين يتضح في الثقافة السكنية غير الواقعية؛ مثل المبالغة في حجم الأرض، وتكبير مسطح البناء، وعدم الاستغلال الأمثل للمساحات.

وما يتعلق بالملاك يتجلى في الجشع والطمع الذي يترجم بالاحتكار والتجميد.

وما يتعلق بالمضاربين يتكشف في المضاربات الصورية التي تساهم في رفع سقف الأسعار، وفي دخول أصحاب المكاتب العقارية كتجار وليس كوسطاء.

وما يتعلق بالمطورين يتضح في سؤ تخطيط المربعات السكنية من ناحية تصغير أحجام البلوكات ما يؤدي إلى كثرة التقاطعات والانعطافات التي سيكون من مساوئها صعوبة حركة حافلات النقل العام داخل الأحياء مستقبلاً، وعدم تنفيذ كامل البنية التحتية مثل شبكات الصرف الصحي عند تطوير المخططات، وعدم زيادة عرض الأرصفة الجانبية ليتم استغلالها كمواقف للسيارات ومسارات للمشاة.

وما يتعلق بالجهات الحكومية المختصة يلاحظ في سوء تخطيط الأحياء، وقصر المباني السكنية على طابقين فقط، وفرض التزام بالارتدادات الجانبية والخلفية غير اللازمة، وعدم تخصيص مربعات أو أحياء كاملة يقتصر فيها البناء على العمارات السكنية المتعددة الأدوار، ويمنع بناء الفلل التي تهدر المساحة، والتوسع في تخصيص جزء من الأراضي في كل حي للمحلات التجارية غير الضرورية.

وما يتعلق بالمؤسسات التمويلية كالبنوك وشركات التمويل يتجسد في قصور الخطط التمويلية، وانخفاض السقف التمويلي، وارتفاع الفوائد.

لحل تلك المشكلة يجب مساهمة جميع تلك الأطراف في التنسيق فيما بينها من خلال تشكيل لجنة تتكون من ممثلين من؛ وزارة المالية، ووزارة الإسكان، ووزارة البلديات، وصندوق التنمية العقارية، والمؤسسات التمويلية والبنوك، وكبار ملاك الأراضي، وشركات التطوير العقاري، ونخبة من ملاك المكاتب العقارية، وشريحة من المواطنين، لتنخرط تلك اللجنة في خلية عمل لبلورة برنامج متكامل يغطي تلك المشكلة من جميع جوانبها، على أن تقوم اللجنة بمراجعة خطط الإسكان في جميع دول العالم واختيار أفضلها، بحيث نبدأ من حيث بدأ الآخرين ولا نبدأ من حيث انتهوا، وبذلك نوفر على أنفسنا عناء التخبطات والأخطاء.