التوجهات الرشيدة التي يتابع مجريات أمورها بشكل شخصي ومباشر والد الجميع خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز تُبشر بكثير من النماء لهذا الوطن العزيز ولعلّ من أبرز ما يعزز توقعات النمو الإيجابي الوطني ما يتعلق باتخاذ إجراءات وسياسات صارمة تهدف إلى معالجة ثلاث قضايا رئيسية تُشكل عصب الحراك التنموي الوطني، متمثلة في القضية الإسكانية وتوليد الوظائف وضبط ملكية وإدارة المنشآت الصغيرة والمتوسطة.. وفي اعتقادي أنّ دراسة وضبط المعالجات وصرامتها فيما يتعلق بهذه القضايا الثلاث كفيل بأن يحقق كثيرا من الارتياح الوطني والابتهاج التنموي.

وعند النظر في قضية الإسكان مثلا وهو ما كتبت عنه عدة مرات في هذه الزاوية منذ عام 2007 فإنّ من المعالجات التي قد تحقق الكثير من الفائدة سواء من خلال تسهيل توفير البنى التحتية أو الحد من تمدد المدن ما يتعلق بارتفاعات المباني السكنية حيث أنّ سعر الأرض مرتبط بحجم الاستفادة منها وأعني بذلك مسطحات البناء التي تسمح الجهات المعنية بها وهو إجراء فيه شيء من القسوة على مالك الأرض بحجج قد لا تكون منطقية في كثير من الأحيان. ولعلّ معادلة حسابية بسيطة لقيمة الأرض مقسومة على حجم الاستفادة من مسطحات البناء تُحدد بشكل واضح قيمة الأرض ومدى ارتفاعها أو منطقية سعرها، فلو كانت الأرض السكنية بسعر يبلغ مليون ريال وسُمح بالبناء فيها لخمسة أدوار فإنّ سعرها على المالك ينخفض بشكل مباشر إلى نصف المليون وهو إنجاز يُحقق عدة فوائد منها ما يرتبط بانخفاض الطلب على الأراضي وكذلك بتحقيق استقرار أسري حيث يمكن لكافة أفراد الأسرة السكن في موقع واحد من خلال تمكين مالك الأرض من تشييد وحدات سكنية لأفراد أسرته كما تُحقق فوائد اجتماعية من خلال التقارب الأسري وكذلك تخفيف تكاليف توفير البنى التحتية على كاهل وطننا العزيز.. فهل يكون ضمن جهود معالجة الإسكان ما يرتبط بمثل هذا الإجراء الذي يمكن معه معالجة خصوصية الأسرة السعودية من خلال عدم السماح لمالك الأرض بإيجاد نوافذ مطلة على الجيران في الأدوار العلوية والاستغناء عن ذلك بتوفير نوافذ تُطل على مساحة مفتوحة داخلية.

وعند النظر في القضية الثانية من قضايا الوطن المهمة والمتمثل في توفير وظائف مناسبة لأبنائه وبناته فإنّ من الجهود المقترحة "وهو ما سبق أن كتبت عنه في هذه الزاوية أكثر من مرة" ما يرتبط بحصر الوظائف المشغولة بغير السعوديين وبناء خطة عاجلة لتمكين أبناء الوطن من التأهل للعمل بتلك الوظائف وذلك بجهود صادقة لمعالجة سياسات القبول في جامعات الوطن بالنسبة للتخصصات التي نحتاجها من خلال تسهيل قبول الطلاب فيها والتخصصات التي يغص بها الوطن بإغلاقها المؤقت وكذلك بإعادة تأهيل الجامعيين في تلك التخصصات التي يمضي على خريجيها عدد كثير من السنوات دون الحصول على وظيفة مناسبة فينشغل الوطن في محاولات مستميتة للمعالجة وهو أمر غير منطقي ولا يُفترض استمرارية حدوثه في وطننا وأذكر أنني كتبت قبل عدة سنوات متعجباً من إعلان أحد كبار المسؤولين في القطاع الصحي عن أن حاجة الوطن من أطباء الطوارئ لا يمكن الاكتفاء فيها قبل أكثر من 25 عاماً!! وهو أمر استعجب منه عند النظر إلى معاناة أبناء الوطن في محاولة دراستهم للتخصصات الصحية على الرغم من هذه الحاجة الضخمة في وطننا.. فهل تبادر وزارة التعليم بالتعاون مع وزارتي الخدمة المدنية والعمل من أجل حصر حاجة الوطن من الوظائف وتخصصاتها وتعمل على مراجعة سياسات القبول في الجامعات لتتجه نحو خدمة الوطن من خلال توفير كفاءات وطنية قادرة على القيام بتلك الوظائف التي نحتاجها بدلاً من الاستمرار في التعاقد مع آخرين.

وما أقرّه مجلس الوزراء مؤخرا من تأسيس هيئة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وما يُعلن عنه دوماً من أنّ حجم امتلاك العمالة الوافدة لتلك المنشآت بنسب تتجاوز حسب آخر الإحصاءات ال 80% وهو رقم ضخم لو تمت معالجته بصرامة ودقة مع التركيز على تستر السعوديين ومعاقبة المتستر بعقاب رادع حقاً لتمكن هذا القطاع من النهوض بقوة والمساهمة الفاعلة في خدمة الاقتصاد السعودي والمواطن السعودي.. بل ربما أنّ ضبط هذا القطاع سيساهم في القضاء التام على البطالة، وبمراجعة سريعة لتحويلات العمالة الوافدة مع النظر إلى أعدادها ومرتباتها يتضح التلاعب والفوضى التي تُسيطر على هذا القطاع.

أجزم أنّ توجهات الدولة أيدها الله كفيلة بتحقيق كثير من مظاهر الرفاه والتنمية المجتمعية في وطننا شريطة أن يساهم الجميع في خدمة تلك التوجهات أفراداً ومنشآت فالجميع في مركب واحد وعلى الجميع بذل الجهد ومزيد من الإخلاص والصدقية في العمل.. دام الجميع بخير ودام وطننا في تنمية شاملة لا يؤثر فيها تقلب أسعار النفط ولا النزاعات والحروب الإقليمية لأنها باختصار تنمية تنبع من الإنسان السعودي لتصب في مصلحته وفي شرايين وطنه.. ودمتم.