طبيب العائلة مفهوم ملتبس ويجهله كثير من الناس، فعندما يمرض أي شخص فإنه تلقائيا يتجه الى المستشفى أو المركز الصحي ويعرض نفسه على الطبيب المختص، بغض النظر عن اسمه أو جنسه أو جنسيته ويمكن ببساطة شديدة أن يغير المكان والطبيب الذي يتعالج عنده عدد غير محدود من التغيرات دون أن يختلف الأمر عليه.
الأطباء أيضا يتعاملون مع المرضى على أنهم حالات، جاءت وراحت وشفيت وأخرى انتكست، ولكنهم لا يكادون يعرفون عن أصحاب هذه الحالات وحياتهم إلا اليسير، وهي معرفة جامدة بلا عواطف وبلا تداخل إنساني يكسب العلاج بعضا من التلقائية والانسيابية والمعرفة المسبقة.
طبيب العائلة
تقول السيدة عالية راشد: عندما أصيب أبي بغيبوبة سكر مفاجئة في الثالثة فجرا كان من الطبيعي ان اهاتف طبيب العائلة ليأتي على وجه السرعة، ويقوم باجراءاته التي يعرفها جيدا للحالة التي يتابعها منذ اكثر من عشرة اعوام ولا يغادر منزلنا قبل الخامسة فجرا وقد اصبح والدي بخير وتناول معه الافطار وخرج.
وتضيف لدينا طبيب عائلة يأتي الى بيتنا او نذهب اليه كلما مرض احد افراد الاسرة، وهو الذي يتابع حاليا ولدي ولا اتخيل حياتنا الصحية بدونه، فهو ارشيف حي لصحة كل فرد فينا يعرف عن صحتنا اكثر مما تعرفه الاوراق الرسمية في المستشفيات، مبينة: اعتقد انه صار طبيبا عائليا منذ قدم للمملكة قبل 30 عاما، وكان ابي ايامها عائدا من خارج المملكة وقد اعجبته جدا فكرة طبيب العائلة وقرر ان ينفذها في بيتنا، فاصبح هذا الطبيب هو طبيبنا الذي نطلبه تلقائيا ليفعل كل شيء رغم انه تخصص عام، لكنه كان ولا يزال نعم المنقذ والمساعد والمستشار الصحي لنا جميعا وكانت امي رحمة الله عليها لا تثق في أي مختص الا بعد ان تسأل عنه طبيبنا الخاص ويوصي به.
معنى ملتبس
زايدة عمر -ربة منزل وأم لأربعة أطفال- لا تعرف المعنى الحقيقي لطبيب العائلة ولم تسمع عنه لكنها تعتقد ان طبيب العائلة يعني طبيب الاطفال الذي نذهب باطفالنا اليه في نفس المستوصف ونتعامل معه مشيرة انه يعرف ماذا يحتاج الاطفال.
اما نيرمين ابو رايدة -امرأة عاملة وأم لثلاثة أطفال- فترى ان طبيب العائلة هو الطبيب العام الذي يرد على كل الاسئلة حول أي مرض وهو الطبيب المتواجد في الطوارئ باستمرار، والذي يرد على الهواتف الاستشارية فهو من وجهة نظرها ليس طبيبا واحدا وإنما أي طبيب عام أو طبيب يرد على الهواتف الاستشارية.
تخصص مستقل
من جانبه يقول د. صالح الأنصاري -الأستاذ المساعد في طب الأسرة والمجتمع والمشرف على مركز تعزيز الصحة-: ان تخصص طب الاسرة تتلخص فكرته في وجود طبيب عام حاصل على شهادة عليا (بعد بكالوريوس الطب العام)، ومدرب على البعد الأسري في الصحة والمرض، مع تدريبه على المهارات الطبية السريرية لجميع أفراد الأسرة (صغاراً وكباراً)، من حيث شمولية الوقاية والعلاج والتأهيل، موضحا انه في نظامنا الصحي فإن طبيب الرعاية الصحية الأولية في المراكز الصحية غير المدرب على أسس طب الأسرة وغير الحاصل على دراسات عليا في هذا المجال للأسف لا يحل محل طبيب الأسرة، وقد يكون هذا أحد أسباب ضعف الثقة في الرعاية الصحية الأولية.
ويضيف: أما في بريطانيا فيتابع -طبيب / طبيبة- الأسرة في نظام الرعاية الصحية الأولية المرأة الحامل ويتعامل مع الجنين في بطنها، ويتابع الحمل والولادة ونمو الطفل وتطعيماته ورعايته الصحية من سن ما قبل المدرسة حتى يبلغ سن الشيخوخة، بل ويكون هو الذي يبدأ إجراءات شهادة الوفاة.
وفي أنظمة الرعاية الصحية الأولية وطب الأسرة يكون الطبيب مسؤولاً عن كل أفراد الأسرة، بل يتدرب على أن يتعامل مع المشكلة الصحية في إطارها الأسري من حيث مسببات المشكلات الصحية، ومن حيث القدرة على التشخيص وإبلاغ الأسرة بالتشخيص، ووضع الخطة العلاجية معتمداً على بقية الأسرة ويشركهم في وضعها.
خصوصية المجتمع!
ويرى د. محمد الغامدي -استشاري طب الأسرة وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود للعلوم الصحية بالحرس الوطني بجدة- أن طب العائلة بالفعل مفهوم ملتبس عند الكثير من الناس في مجتمعنا، والسبب في نظره يعود إلى أن هذا التخصص عام ويشترك مع عدة تخصصات أخرى مثل الباطنة والأطفال بالذات، مردفا: وكذلك لعدم تطبيقة بشكل كامل على مستوى أوسع، وأيضاً لخصوصية مجتمعنا في رغبة النساء في مراجعة الطبيبات وهكذا.
وأردف أيضاً: لضعف الصورة الذهنية التي تكونت مع مرور الزمن عن مراكز الرعاية الصحية الأولية وعيادات طب الأسرة والفجوة التي يراها ويلمسها المواطن بين المراكز الصحية وبين المستشفيات.
ويؤكد د. الغامدي أن طب الأسرة أوالعائلة العام هو أساس النظام الصحي ومفتاح الرعاية الصحية الشاملة في معظم بلدان العالم، ويوما بعد يوم تزداد أهميته وتثبت الدراسات المختلفة بالبرهان، مبينا أن نظام الرعاية الصحية الأولية (الأساسية بالمعنى الأصح للترجمة) المقدمة من طبيب أسرة مختص ويمارس عمله في المركز الصحي، وليس في المستشفى ويقدم رعاية صحية شاملة ومستمرة وهذا النظام أقل كلفة وأكثر كفاءة.
اهتمام متفاوت
وتهتم وزارات الصحة في بعض الدول بوجود طبيب أسرة لكل أسرة وتعتبره من الخدمات الصحية البديهية التي ينبغي تأمينها وتوفيرها للمواطنين وذلك لأسباب ومنطلقات عديدة منها كما يقول د. الأنصاري: نجاح التجارب الدولية (بريطانيا، الدول الاسكندنافية) ومنها أن الاهتمام بطب الأسرة، يأتي في إطار منظومة الرعاية الصحية الأولية التي ارتضتها منظمة الصحة العالمية وجميع دول العالم سبيلاً للوصول لهدف (الصحة للجميع)، كما يأتي الاهتمام بطب الأسرة وطبيب الأسرة من منطلق خفض كلفة الرعاية الصحية، فنموذج طبيب الأسرة الذي يتعامل مع حوالي 90% من المشكلات الصحية وفي مراحل مبكرة أقل كلفة من إتاحة المستشفيات للجميع، كما أن زيارة المستشفيات من قبل المراجعين كثيراً ما تأتي في وقت متأخر يكون الداء قد وصل إلى مراحل متقدمة، يضاف إلى ذلك قرب طبيب الأسرة وسهولة الوصول إليه مقارنةً بالصعوبة التي عادةً ما يلاقيها المراجعون في الوصول إلى المستشفيات.
ويشير د. الغامدي إلى أن عدم رواج هذا التخصص بين الأطباء غير صحيح فالراغبون في الدخول إلى التخصص أعداد كبيرة ولكن يحد من ذلك للأسف عدم وجود مقاعد كافية في مراكز الدراسات العليا رغم التوسع الكبير الذي حصل في الأعوام الأخيرة من قبل الهيئة السعودية للتخصصات الصحية.
الدور الوقائي
ولطب الأسرة وطبيب الأسرة دور أساسي في المواسم المرتبطة بالأمور الصحية كمواسم الشتاء والصيف والمد الوبائي لأمراض بعينها فهل يمكن للدولة أن تعتمد عليهم حتى انحسار الخطر، وعلى هذا التساؤل يؤكد د. الغامدي على أهمية هذا الدور بقوله: نعم بدون شك فطبيب الأسرة هو البوابة الرئيسية التي يدخل منها المواطن لكافة الخدمات الصحية التي توفرها الدولة، ونتيجة لسهولة الإجراءات وقرب الطبيب من المجتمع فهو الدرع الواقي بعد الله أمام موجات الأوبئة وانتشار الأمراض بشتى أنواعها؛ وهو أكثر الأطباء كفاءة للقيام بالبرامج الوقائية المختلفة.
الطبيب الناجح
ويرى د. صالح الأنصاري أن هذا التخصص يحتاج أكثر من غيره إلى فنون العلاقات الجيدة وحسن التعامل وتكوين الثقة لدى المراجع، حيث سيحتاج طبيب الأسرة إلى التعامل مع مريضه منذ الولادة وحتى الوفاة، وذلك مقارنة مع تخصصات أخرى يتعامل فيها المريض مع الطبيب لمدة قصيرة، وتنتهي العلاقة بانتهاء الإجراء الطبي (عملية جراحية، وصفة) وهذا يوضح طبيعة الشخصية التي ينبغي أن يتمتع بها طبيب الأسرة.
ويذكر أن من أهم مقومات النجاح في تخصص طب الأسرة والمجتمع القدرة على التواصل والتوعية والتعامل مع المشكلات الصحية في بعدها الاجتماعي، إضافةً إلى إتقان أساسيات الطب السريري في العديد من التخصصات، فطبيب الأسرة يعرف شيئاً عن كل شيء، بينما طبيب التخصصات الدقيقة يعرف كل شيء عن شيء واحد فقط.
جدوى التوعية
وإذا كان مفهوم طب الأسرة وطبيب العائلة بهذا الالتباس فأين التوعية بهذا التخصص والحث على تواجده، ويقول د. الأنصاري: في رأيي الشخصي أن التوعية بتخصص غير موجود على أرض الواقع عمل غير مجد، ولا يلزم الناس على خلل تصوراتهم عن هذا التخصص، ففي بعض التقديرات إن حاجة وزارة الصحة من هذا التخصص يبلغ 18 ألف طبيب بينما عدد منسوبي الوزارة من هذا التخصص لا يتجاوز 500 طبيب، أما كيف نحل هذا الإشكال فالأمر بحاجة إلى إجابات كبرى حول الاستراتيجيات والجهات المقدمة للخدمات الصحية بين التوجه إلى الإمعان في التخصصات العلاجية الدقيقة، أو الانتشار في الخدمات الصحية الأولية.
ويضيف: قد تستغرق معالجة هذا الأمر عشرات السنوات واتخاذ الإجراءات الوقائية المطلوبة، وإجمالا فإن أفضل وسائل التوعية بمفهوم طب الأسرة وجود نماذج ناجحة ترعاها وزارة الصحة وغيرها من مقدمي الخدمات الطبية، كما أن من حق المواطنين الحصول على رعاية صحية شاملة تقوم على الرعاية الصحية الأولية وطب الأسرة، وهو ما تحاول حكومتنا الرشيدة الوصول إليه من خلال وزارة الصحة التي بها الكثير من المبادرات التي تدعم هذا التوجه، ساعية إلى اليوم الذي يكون لدينا فيه طبيب أسرة لكل أسرة.
ويقول د. محمد الغامدي: مفهوم طبيب العائلة يمكن تطبيقه مع الحفاظ على خصوصية العائلة بإنشاء ما يسمى فريق عمل وذلك بأن يكون هناك فريق مكون من طبيب وطبيبة في كل مركز صحي مجهز بشكل يتناسب مع العصر والتطورات الطبية والتقنية اللازمة، وهما يقومان بأداء رسالتهما بشكل مميز ومتناسق مع خصوصية عائلاتنا ومجتمعنا.
طبيب الأسرة يستطيع التواصل والتعامل مع المشكلات الأسرية من بُعدها الاجتماعي
الأسرة بحاجة إلى طبيب يتابع الحالات المرضية لأفرادها
د. صالح الأنصاري
د. محمد الغامدي
1
Essa عيسي النويصرAlnoaiser
2015-11-01 04:26:55في كافة أنحاء العالم نظام طبيب الاسره مطبق بنجاح منذ عقود ويخفف الضغط علي المستشفيات وينفع المحتاج من الناس في كل منطقه من المدن(الحارة)! والله الموفق.
2
انور
2015-10-30 18:43:03يرحمك الله رب العالمين
3
ال عبد الواحد
2015-10-28 16:42:54الحمد لله رب العالمين