لم تكن تلك الاناشيد الدينية الخاصة بالحج موجودة على المستوى العربي إلا في المناسبات الخاصة التي يحتفل بها أثناء قدوم الحجاج إلى ديارهم والاحتفال في بيوت الحاج بشكل تقليدي بحت.!, كانت تلك الفترة قبل قدوم الإذاعات والتنافس فيما بين الفنانين لتقديم الاناشيد والحفلات الخاصة شيئا تقليديا لكنه مُبهر ومُلهم للاجيال التالية.

أم كلثوم في قصة أحمد شوقي والخديوي عباس

قبل بزوغ نجم تلك الاغاني والأناشيد في السعودية التي تحتفل بموسم الحج كانت السلطة والقدرة للفنانين العرب السابقين في التطور واستثمار الموسيقى الكلاسيكية والثقافة السينمائية والحفلات لتقديم انفسهم في هذه المناسبة, أم كلثوم تبقى الاسم الأبرز في كُل الحالات حينما استغلت قصيدة أحمد شوقي " إلى عرفات" وكتَبَها أواخر "1909م"، احتفالاً وتهنئة بقدوم الخديوي عباس بمناسبة حجه في ذاك العام. رياض السنباطي أبدع حينها بتلحين الجمل الموسيقية واختارت أم كُلثوم "25"بيتًا من القصيدة, وقدمتها للمرة الأولى سنة "1951م"، وتبعتها في حفلات أُخر كان آخرها عام حفلة "تموز/1957م".

إلى عَرَفَاتِ اللهِ يا خَيْرَ زائِرٍ

عَلَيكَ سَلامُ اللهِ في عَرَفاتِ

ويومَ تُوَلِّي وُجْهَةَ البَيْتِ ناضِرًا

وَسِيمَ مجالي البِشْرِ والقَسَمَاتِ

على كُلِّ أُفْق ٍ بالحِجاز ِملائِكٌ

تَزُفُّ تحايا اللهِ والبَرَكاتِ

بالرغمِ من أن أم كلثوم قد غنت روائع عدة في مشوارها الاسطوري، إلا أننا آثرنا أن نمر إلى نشيد " إلى عرفاتِ اللهِ " ونشيد "القلب يعشق/دعاني لبّيتُه" التي قدمتها في فبراير "1971م" في حفلها الشهري من ألحان رياض السنباطي الذي نجح للمرّةِ الثانية مع أم كُلثوم في تلحينِ اعمال سابقة لزملائه ويتفوق عليهم، كانت المرة الأولى قصيدة "أراكَ عصيَّ الدمّعِ" التي غنتها أم كُلثوم للمرة الأولى في "1926م" بألحان عبده الحامولي، ثم قدمتها للمرة الثانية بلحن زكريّا أحمد في "1944م - هذا التسجيل مفقود من مكتبة أُم كلثوم- قبل أن يأتي السنباطي ليقدم اللحن الثالث لقصيدة, "دعاني لبّيتُه " والتي شاعت بعنوانٍ معروف "القلب يعشق كلّ جميل" للشاعر محمود بيرم التونسي، ولحنها زكريا أحمد منتصفَ أربعينياتِ القرنِ العشرين، واختلف مع أم كُلثوم حول اللحن فسجلها خصيصًا لإذاعة (لندن القسم العربي) عام "1946م" قبل أن تعيدها – أم كُلثوم- مع رياض السنباطي"1964م".


ليلى مراد, صورة ذهنية في الأغنية السينمائية

القلب يعشق كلّ جميلْ

وياما شُفتي جَمالْ يا عين

واللي صَدَق في الحبِّ قليلْ

وانْ دامْ يدومْ يومْ والاّ يُومينْ

واللي هَويتُه اليومْ .. دايمْ وصالُه دُومْ

لا يعاتب اللي يتوبْ ، ولا في طبعُه اللومْ

واحدْ مفيشْ غيرُهْ .. مَلَا الوجودْ نورُه

دعاني لبّيتُه .. لحدّ بابْ بيتُهْ

وامّا تجلّى لي .. بالدّمْعِ ناجَيتُهْ

مَكَّة وِفِيها جبالِ النّورْ

طالَّة على البيتِ المَعْمورْ

دَخَلْنا بابِ السَّلامْ

هذه الحالة الفنية لم تنطبق على أم كلثوم وحدها.!, بل عمت جميع الفنانين حينها, يقدمون في هذه المناسبة – الحج - أجمل ما عندهم ويتباهون بما يقدمون, يعتبرونها "الصوفية" التي اقتحمت الغناء, ليلى مراد الصورة الذهنية في الاغاني السينمائية, ايضاً لم تكُف عن تقديم النشيدالديني الخاص بالحج, استغلت فيلم " ليلى بنت الأكابر" التي شاركت فيه مع أنور وجدي واسماعيل ياسين مطلع الستينيات الميلادية من القرن الماضي لتقدم مشهدًا مهولاً شاركت في تقديم صوتها بنشيد "يارايحين النبي" التي كتبها ابو السعود الأبياري ولحنها رياض السنباطي, الذي برع في تقديم هذا اللون. الفنانون الاخرون يستغلون هذه الفتنة في تقديم اعمالهم في ايام الحج, حتى الاجيال التي أتت بعدهم يستمرون في تقديم هذا اللون من الغناء, كان محمد الكحلاوي منهم عندما قدم نشيد "لإجل النبي" وجابر العزب في نشيد "خذوني معاكم" وايضاً السورية سعاد محمد "طلع البدر علينا", وياسمين الخيام في نشيد"أم النبي", وحتى المطربة الشعبية فاطمة عيد لم تترك هذه الخاصية من الغناء حينما قدمت "رايحه فين ياحاجه".


أم كُلثوم - غنّت إلى عرفات

الفنانون السعوديون اخذوا هذا الانطباع في مواصلة تقديم اناشيدهم في هذه المناسبة من استقبال الحجاج, كان منهم الراحل طلال مداح الذي قدم نشيد "يا حج يا مبرور" وكتب كلماتها سعيد الهندي ولحنها مطلق الذيابي-غفر الله له- طلال مداح كان ضمن البداية السعودية في بث اعمال الحج التي ساهم في تكوينها مجموعة من المطربين لكنه كان سباقاً, قبل سعد ابراهيم وطارق عبدالحكيم ومحمود وعبدالقادر حلواني وعبدالله السلوم ومحمد عبده وابتسام لطفي التي قدمت نشيد "الحج" وغيرهم.

يا حج يا مبرور .. يا خامس الأركان

شهر الحرم والأمن .. جاء الحجيج فرحان

أهلاً بكم أهلاً حجاج بيت الله ..

فيه العباد تدعي .. يا رب اسقينا

بير الشفاء زمزم .. يشفي العليل فينا

أهلاً بكم أهلاً حجاج بيت الله ..

لبت جموع الحج .. لبت من الأعماق

يا رب اكتبنا .. كل القلوب تشتاق

أهلاً بكم أهلاً حجاج بيت الله ..

يوم الوقوف لبوا .. لبوا باسم الله

أهلاً بكم أهلاً .. حجاج بيت الله

أهلاً بكم أهلاً .. حجاج بيت الله .

هذه الاحتفالية بالحج وايامه كانت احدى الإشارات الاعلامية من الفنانين السعوديين,إذ يقدمونها ابتهاجاً بالحجاج وعونهم.

يقول عبدالله السلوم:" كنا نحتفي بالمناسبات الدينية ونجتهد في تقديم هذا اللون الغنائي – النشيد- وإظهار الصورة الحضارية التي تقدمها حكومتنا الرشيدة في استقبال الحجاج وتقديم كل العون لهم, كنا نرسخ هذه الخاصية من الغناء طالبين استمرارها, لكنها غابت كثيراً عن المشهد الغنائي, وهو ما لم نكن نتوقعه من الاجيال التي أتت بعدنا".

يستمد المطربون العرب والسعوديون بشكل خاص هذه الروائع خلال الاحتفالية التي تشهدها ايام الحج آنذاك, وتقدمهم خير تقديم في الإعلام, تستغلها الإذاعات في بداية نشأتها وحتى التلفزيونات بعد بثها وتدخل مشاهد على أصواتهم تختارها من ايام الحج. لم يبق من مطربي الستينيات من القرن الماضي وما قبل الا وقدم في هذه المناسبة عدد من الاغاني يعتبرونها فعل خير.يعتبرون الغناء يستطيع نقل حضارتهم إلى أبعد ما يكون, هذه ليست المناسبة الدينية التي يحتفلون بها وتدخل وجدانية الناس في كل مناسباتهم, المطربون يقتبسونها من المناسبات الأُخر كاحتفالية مولد النبي محمد "عليه أفضل السلام" والتي كانت قائمة إلى يومنا هذا في معظم البلدان العربية, من هناك ظهرت أم كلثوم حيث استمدوا منها إطلاق الأناشيد الدينية والاحتفائية بالحج قبل أن تنشأ الإذاعات ويبدؤوا في تقديم الاناشيد خلال مسيرتهم الفنية.


البداية الفعلية السعودية طلال مداح «رحمه الله»

ضمن أعمال ياسمين الخيام نشيد «أم النبي»

رياض السنباطي مع أم كُلثوم كانا متأثرين بالأناشيد الدينية