انطلقت الأحد الماضي 1 ذو القعدة 1436 مسيرة الدورة الانتخابية الثالثة بتسجيل قيد الناخبات والناخبين في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة، أسبوعاً قبل بقية المناطق لاحتياطات فترة الحج. وقد سجلت الأيام الماضية حماساً كبيراً بين سيدات المدينتين المقدستين وتفاوتاً بين من سبق لها أن مرت بتجربة انتخابية أو من اطلعت على اللوائح بتفصيل ودقة، أو من التحقت بدورة تثقيفية في العملية الانتخابية. وبقية النساء يتطلعن إلى الغد.. السبت 7 ذو القعدة، للتسجيل في مناطقهن وسط تحفز وترقب وحماس أخذ أشكالاً مختلفة منها الإعلامي والمحلي. فظهرت الكثيرات على شاشات الأخبار المحلية والعربية وعلى صفحات الجرائد الرسمية التي أصبحت تخصص صفحات يومية للانتخابات البلدية ومتابعة مسيرتها، مما يعكس الحراك والحماس النسائي تجاه الاستحقاق الوطني الذي تشارك فيه المرأة للمرة الأولى، وبعد مطالبات مضى عليها أكثر من عشر سنوات تكللت بالنجاح ولله الحمد في قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله عام 2011 والذي أعلن دخول المرأة لكل من مجلسي الشورى والمجالس البلدية بعضوية كاملة.

وقد تبنت إحدى مؤسسات المجتمع المدني التي أنتمي إليها، وهي "مبادرة بلدي"، المطالبة القديمة ومن ثم التهيئة الممكنة للنساء على الأرض لنصل إلى هذا اليوم ونحن على أتم استعداد لتدخل المرأة وهي تعرف أين تخطو وكيف تمثل نفسها ومن تختار ليمثل صوتها. وفي ظل صعوبات معروفة تتصل بعدم اعتماد نظام الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني بعد، فإن "بلدي" استمرت تطرق كل الأبواب لتأخذ التصريح المناسب دون جدوى، لا وزارة الشؤون الاجتماعية لديها هذا المسمى، ولا وزارة الإعلام والثقافة ولا وزارة الشؤون البلدية والقروية، التي تم الاجتماع بها والطلب منها بالعمل تحت مظلتها فاعتذرت لعدم وجود بند ينص على أنها تظلّ مؤسسات مجتمعية مستقلة وتتطلب أن تكون مصرحة من جهة ما.

فاستمر العمل من خلال مؤسسات مدنية أخرى لتنظيم عدد من الورش التي تنشر الوعي الانتخابي بين المواطنات من عامين، وأعدنا الكرة الشهر الماضي متجهين إلى شريحة أخرى وهي من ترغب من السيدات في ترشيح نفسها في منطقتها أو ترغب في إدارة حملات مرشحة أخرى. وجهزت الورش بشكل مفتوح، التسجيل على موقع على الانترنت، متاح للجميع، مع اشتراط اجتياز مقابلة شخصية لتقييم جدية من ترغب الانضمام إلى هذه الورش المتخصصة، ومجانية تماماً، بل كانت تغطي تكاليف السيدات المسجلات من مناطق خارج المدن التي تجري فيها الورش وهي الرياض وجدة والدمام، وإذ بنا وقبل انتهاء الورشة المزدوجة الأولى في الرياض يخرج بيان اللجنة العامة للانتخابات البلدية: "الإجراءات النظامية لمنع التكتلات والمحافظة على نزاهة الانتخابات" عُمّم على الصحف ويُنص فيه على: "أنه انطلاقاً من دور اللجنة الإشرافي على الانتخابات البلدية وتحقيقاً لمبدأ الحيادية التامة وتكافؤ الفرص بين من تنطبق عليهم شروط الترشح لعضوية المجالس البلدية، فإن كل برنامج تدريبي يقوم على أساس تبني فئة معينة بشكل منتقى يعد مخالفاً لمبادئ الحيادية والموضوعية ومخلاً بنزاهة الانتخابات وسلامتها" واعتبر هذا البيان مبرراً لإيقاف ورش مبادرة بلدي، بل ومحاضراتها أيضاً.

ويقول أيضاً إن: "برامج التوعية والتثقيف يجب أن تكون موضوعية ومحايدة ومتاحة لكل من يرغب فيها وتنطبق عليه شروط الترشح، بعد أن تحصل هذه الجهات والمؤسسات على التراخيص اللازمة".

ومن الواضح أن هناك خلطاً غير مقصود لدى الوزارة بين ما ينبغي أن يكون موضوعياً وحيادياً وبين تكوين التكتلات والتحزبات، فمن ينبغي أن يكون حيادياً وموضوعياً هي الوزارة وكل ما يتصل بمؤسسات الدولة وليس مؤسسات المجتمع المدني التي لا تتلقى أي تمويل حكومي وليست لها مصالح مع البلدية بأي شكل من الأشكال. وكان من المفترض أن تُشجع الوزارة المبادرات المدنية تجاه المشاركة في رفع الوعي الانتخابي لاسيما بين النساء اللاتي يتأخرن دورتين عن ركب الرجال ويحتجن إلى تركيز أكبر في التوعية والتشجيع على المشاركة في الشأن العام. لكن الوزارة قامت بجرة قلم وبهذا الخلط غير المقصود إلى شلّ كل عمل مدني كانت مبادرة بلدي تقوم به مع النساء في جميع أطراف الوطن، وأصابتهن بحالة من الإحباط والتساؤل حول من سوف يقوم بهذا الدور.

وهذا ينقلنا إلى النقطة الثانية من بيان الوزارة التي تتناول التوعية والتثقيف فيقول البيان: "إن اللجنة العامة للانتخابات تقوم من خلال الفريق الإعلامي للانتخابات بتنفيذ البرامج التثقيفية والتوعوية للعملية الانتخابية بمراحلها كافة بما يتفق مع اللوائح الانتخابية وتعليمات الانتخابات والإشراف عليها وتحديد آليات تنفيذها سواء كان ذلك من خلال الإعلام المرئي أو المسموع أو المقروء أو وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال عقد ورش العمل المتخصصة وغيرها من الوسائل الإعلامية الأخرى"، بينما في الواقع، وفي حين أن الوزارة نفذت برامج تثقيفية وتوعوية من خلال الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن عقد ورش العمل المتخصصة كانت نادرة ندرة عدد الأصابع، ولم تبدأ إلا الأسبوع الماضي من خلال الحوار الوطني ومجلس الغرف في الرياض، وفي مكة المكرمة تم إلغاء محاضرة كنت مدعوة لتقديمها مع زميلة في غرفة مكة، لكن اللجنة العامة للانتخابات ألغتها واستبدلتها بنفس العنوان الأسبوع التالي، وكلفت بها عضوتي اللجنة المحلية، وتم إلغاء عدد من المحاضرات الأخرى التي كانت سوف تقدمها منسقات وعضوات بلدي في جدة وغيرها. والبديل لم يكن بمستوى المأمول أو المطلوب أو ما تحتاج إليه المرأة في هذه المرحلة من الخطو في هذا المجهول الجديد، ناهيك عن انعدام أي محاضرات توعوية في أطراف المملكة.

وتبدو درجة الخلط بنسبة عالية عندما أخذت الوزارة تهدد من يتدرب من المرشحين بأنهم/ن يعرضون أنفسهم لتطبيق الإجراءات النظامية بحقهم وهو استبعادهم من قوائم الترشح، بل وأن من حق المتضرر من هذه الترتيبات، أي ممن يواجه مرشحاً أو مرشحة قد خاضوا ورشة تدريبية، أن يعترض أو يطعن أمام لجان الفصل في الطعون والمخالفات الانتخابية.

ونحن نقدم على هذه المرحلة التاريخية من مشاركة المرأة للمرة الأولى نأمل من الوزارة أن تراجع وتستوعب اللوائح العالمية المتصلة بمسائل التدريب وصلتها بالحياد والموضوعية في الانتخابات البلدية قبل أن تلقيها اتهامات في وجه النساء تجعلهن وهن يحرصن على الحصول على نصيبهن من التدريب والاستعداد وكأنهن يسرقن أو يقترفن جرماً.

مؤكدين أن تدريب النساء لا يمس بسوءٍ الحيادية ولا يمس النزاهة ولا يمس الشفافية والعدالة التي نحرص عليها كمؤسسة مجتمع مدني قبل أي فئة أخرى.

فما أحوجنا في هذه اللحظات الحرجة من تاريخنا إلى وضع يدنا في أيدي بعض والتعاون لما فيه مصلحة المجتمع والوطن.