يدرك كثيرون أن الثورة الإيرانية التي أطلق عليها إسلامية، هي في واقعها ثورة فارسية، لأنها بعيدة تماماً عن مضمون الإسلام، وأن شعاراتها ليست إلا للتغطية على الصبغة القومية الفارسية، والمذهبية الصفوية لهذه الثورة، وهناك كثير من الدلائل على عنصريّتها..

من مقالات الأسبوع قبل الماضي مما له علاقة بعاصفة الحزم، مقالان نشرا في صحيفتين محليتين، عنوان أولهما "ما ذنب الشيعة والمجوس والفرس؟!".. وعنوان الثاني "اعتذار لمواطن لبناني"!.. أما المقال الأول فيرى كاتبه أن الكتاب نقلوا "ميدان المعركة مع النظام الإيراني إلى الشيعة والمجوس والفرس! فوسّع دائرة الحرب، وبخس الشيعة حقهم، وظلمهم في حشرهم مع النظام الإيراني في طهران.. فبعث ثقافة الثأر، وأعادها من جديد.."!

بادئ ذي بدء أقول لا أظن عاقلا يحشر الشيعة - حسب تعبير الكاتب - من عرب وغير عرب مع النظام الإيراني، لأننا في المقابل ننكر على الذين يحشرون السنة مع داعش والقاعدة والنصرة، وفيما يخص القوميات في إيران، فالشعوب غير الفارسية فيها تشكل أكثر من 72% من السكان، وهم العرب (الأحواز)، وشعوب أذربيجان الجنوبية، وبلوشستان، وتركمانستان الجنوبية، وكردستان الشرقية، فالأغلبية الساحقة ليسوا فرساً، وهم يدركون حتماً أنهم ليسوا المعنيين بالصراع بين العرب والفرس، وبهذا فليس أحد من الكتاب فيما أظن يحسبهم على ملالي طهران. ثم من الذي بعث ثقافة الثأر، هل الكتاب من بعثها، أم إيران التي تشير كل الدلائل على أن هذا دأبها منذ القدم ثأراً من هزيمتها في القادسية العربية؟

وفيما يتعلق بالفرس، فلقد كانت الدولة الساسانية الفارسية المجوسية قائمة في بلاد فارس حتى الفتح الإسلامي، كما ظلت المجوسية منتشرة في مناطق كثيرة حتى الخلافة العباسية، ما أثر في ظهور الحركات الباطنية، حيث اعتنق عدد من موالي الفرس الإسلام متسترين برداء التشيع وحب آل البيت، رغبة منهم في الكيد للإسلام، يقول المؤرخ فون كريمر: "ومع أن كثيرين منهم كانوا يتظاهرون بالإسلام إلا أنهم كانوا في قرارة نفوسهم مخلصين لمعتقداتهم الدينية القديمة، وقبلوا الإسلام ظاهرياً فقط مع تعلقهم بدين آبائهم، وبتعدد مذاهب المجوس (الزرادشتية والمانوية والمزدكية) تعددت آثارهم السيئة على الأمة الإسلامية وسيرتها الحضارية". وهنا يحق لنا أن نسأل: هل ظلت المجوسية مجرد معتقد لدى معتنقيها ينبغي احترام حقهم فيما يؤمنون به، أم أنها تجاوزت ذلك فصارت حركة مسيسة وعدواناً على العرب؟

ثم لو أن كل ما كُتب عن إيران الشيعية يمس بالضرورة الشيعة الآخرين من عرب وغيرهم، كما يمس الشعوب غير الفارسية المحتلة من قبل طهران، لكان كل ما يقال عن المنظمات السنية الإرهابية كالقاعدة وداعش وجيش النصرة موجهاً بالضرورة لكل العرب السنة، فأي منطق هذا؟ وإذا لم يكن الملالي شيعة ولا مجوساً ولا فرساً فماذا عساهم أن يكونوا؟ يقيناً أننا عندما نكتب عنهم فإننا نقصد تلك الزمرة الحاكمة في طهران، فكيف نتّهم بأننا نقصد كل الشيعة؟ وكيف لا نكتب عن إيران التي تشكل خطراً علينا وأوشكت أن تقتحم حدودنا الجنوبية؟

يدرك كثيرون أن الثورة الإيرانية التي أطلق عليها إسلامية، هي في واقعها ثورة فارسية، لأنها بعيدة تماماً عن مضمون الإسلام، وأن شعاراتها ليست إلا للتغطية على الصبغة القومية الفارسية، والمذهبية الصفوية لهذه الثورة، وهناك كثير من الدلائل على عنصريّتها، كقمع السنة الإيرانيين الذين حرمتهم حقوقهم المشروعة، كما منعت عرب الأحواز من التحدث باللغة العربية، أو تسمية أبنائهم أسماء عربية، وقد تبين أن من أهداف الحرب العراقية الإيرانية تحرير العراق من العرب السنة، ونشر المذهب الشيعي الصفوي، والأخذ بثأر القادسية الأولى، واستكمالاً لذلك الهدف فتحت إيران أجواءها للطيران الأميركي إبّان غزو العراق، وأمرت جميع الميليشيات الشيعية التي ترعاها تسليحاً وتدريباً وتمويلاً بالقتال إلى جانب الأميركان، وكلنا يعلم كيف دمرت هذه الميليشيات العراق، ولطّخت وجه عاصمة الرشيد والمأمون.

لا يحتاج الخطر الإيراني إلى مَنْ يثبته بالبراهين، فأركان النظام صاروا يتباهون بما أشاعته أذرعهم (وهو تعبير إيراني يشير إلى العملاء) من فوضى في أنحاء مختلفة من الوطن العربي، فمن التلويح بالسيطرة على مضيقي هرمز وباب المندب، إلى التباهي بقرب بزوغ شمس الإمبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد، وهناك المئات من التصريحات الرسمية الإيرانية التي يمكن الاستناد إليها في فهم طبيعة الخطر الإيراني!

وعملياً فإن إيران متورطة اليوم في عدد من الحروب التي يشهدها الوطن العربي، فلها في اليمن حوثيوها، ولها في سورية حصة مشهودة في الحرب هنالك، ولها في العراق ميليشياتها المتهمة بارتكاب مجازر في حق المدنيين السنة، وأخيراً لها في لبنان ذلك المخلب الذي يشعل الحروب باسمها في أرجاء المنطقة العربية، فالاستراتيجية تُرسم في طهران، والتكتيك يتولاه قاسم سليماني، والتسويق والتعبئة العامة ضد العرب كافة يتولاهما البوق الإيراني "حسن زميرة" حسب وصف المعارضة السورية.

ويشير صاحب المقال الأول إلى أن ما ورد في مقالات الكتاب "مكّن النظام الإيراني أن يُصوّر لجماهيره موقف دولنا الخليجية صادراً من عداء للشيعة، وكره لأسلافهم، وذمّ في أديانهم.."! نقول: أبعد كل ما تفعله إيران من تعبئة وتجييش وتغذية الإرهاب الحوثي ضد بلادنا، يُخشى من أن تصور لجماهيرها أن موقف دولنا نابع من عدائها للشيعة! أيطلب منا أن نحسب حساباً لما قد تقوله لجماهيرها؟ وهل المطلوب أن نغض الطرف عما تفعله تحسباً لما سوف تتهمنا به؟ وماذا عمّا تصفنا به هي وعملاؤها من بعض اللبنانيين، ألا اعتبار له عند الكاتب؟ ثم لمَ الحذر مما قد تقوله إيران لجماهيرها، وهي في الأصل اعتادت على الكذب وتزوير الحقائق؟

أما قوله إنه من "غير العدل أن نجعل صراعنا مع النظام الإيراني وحلفائه في دولنا صراعاً مع الفرس" فإنه لا يخفى على أحد أن الصراع قائم بين العرب - وخصوصاً دول التحالف العربي - والفرس، وإن لم تكن دولة الملالي فارسية، فما عساها أن تكون؟ ولماذا علينا نحن فقط أن نربأ بأنفسنا عما يثير حساسية حكام إيران وعملائهم حتى لا نبدو عنصريين؟ ينبغي للمتجوسين مما يكتبه الكتاب أن يجيبونا عما يفعله وكلاء الملالي في العراق وسورية ولبنان والبحرين واليمن، على سبيل المثال لا الحصر؟ أما عن تأجيج مشاعر الشيعة عنصرياً فما أحد بمقدوره أن ينكر أن الملالي نجحوا في استقطاب بعض الشيعة العرب في مشروعهم التوسعي والعدائي، فقد استطاع الحرس الثوري إعداد قوىً عسكرية وميليشياوية وجماعات متطرفة شيعية، في لبنان والعراق واليمن والبحرين، كما تمكن قاسم سليماني من ترسيخ الإيديولوجيا المذهبية في تلك الدول، إلى درجة أن يبقى هو في طهران مطمئناً بأن الصراع المذهبي خارج حدود بلاده، والساهرين على حماية مشروعهم كثر، والمستلبين مستعدون للقتال حتى آخر عربي شيعي فداء للولي الفقيه، لكن إيران التي هيمنت على مفاصل الحكم في العراق، وولغت مع حزب اللات في الإناء السوري، صور لها غرورها أنه يمكنها تكرار المشهد في اليمن عبر عملائها الحوثيين، جاءتها رياح "عاصفة الحزم" بما لم تشتهه سفنها.

ليس سراً أن النظام الإيراني عمل منذ بدء ثورته على إزعاج دول الخليج العربي تمهيداً للهيمنة الكاملة عليها، لولا بلادنا التي يعدونها سداً منيعاً أمام مشروعهم التخريبي لنجحوا في ذلك، لكن صدمة "عاصفة الحزم" قضت على أحلامهم، فلم يجدوا وسيلة للرد سوى الشتائم عبر بوقهم الأكبر حسن نصر اللات الذي أقسم على هزيمتنا هزيمة مدوية، وهو موقن أنها لن تحدث أبداً، وليس من مهزوم سوى الذي يخوض حروبه الدونكيشوتية من جحر تحت سابع أرض، إذ تراجع أسياده في طهران عمّا ظلوا يهددون به، لاسيما تلك السفن القديمة التي لم تقوَ على مجابهة ما تتميز به قواتنا البحرية من تقنيات عالية الدقة، التي عطلت وسائل الاتصال في سفنهم السبع ما جعلهم يقفلون راجعين، إذ ليس ثمة إلا الضياع في لجّة البحار.

وأما المقال الثاني فيعتذر فيه كاتبه للبنانيين الذين "يرى أن بعض الكتاب السعوديين حمّلوا كل الشعب اللبناني وزر هذا الموقف غير المبرر، واتّهم شعباً بكامله بغياب النخوة ونكران الجميل"!

وهنا أتساءل ويتساءل غيري من المواطنين: هل من المنطق تصعيد اللغة ضد بلادنا الداعمة للبنان اقتصادياً، والحاضنة لجالية قوامها 300 ألف لبناني، ومنها يأتي جل الدعم الاغترابي للبنان؟ هل من المروءة أن يصمت عن تلك البذاءات اللبنانيون المستفيدون؟ فلم نسمع ونقرأ سوى بعض مما كُتب أو قيل من قبل قلة من السياسيين والكتاب في قناة وصحيفة أو اثنتين، فأين الخطاب الشعبي اللبناني في لبنان نفسه؟ إن كان هنالك من يحفظ المعروف ويقرّ بأن ما يفعله حسن نصر اللات وباقي جوقة العملاء قد يضر بمصالحه، لا حاجة إلى تذكير هؤلاء بما تتحمله بلادنا من أجلهم، وفي المقابل تطاول عليها عملاء تم شراؤهم من قبل إيران ومخلبها الفارسي، فهل يريد ذلك الرافض لموقف الكتاب أن نسمع الإهانات والأكاذيب التي يكيلها المرتزقة ضد بلاددنا ونصمت؟ عندما يعلن أحد الاقتصاديين أن 300 ألف لبناني يعملون في بلادنا ويحولون لبلدهم ما مقداره أربعة مليارات دولار سنوياً، يعترينا العجب بل الغضب كيف لا يكون لهؤلاء موقف مما يُقال ويُكتب ضدنا في وسائل إعلامهم؟ كيف لا يفعل أولئك شيئاً إزاء اعتداء نصر الشيطان وبقية الأبواق التي تتطاول على بلادنا ببذاءات لم يجرؤوا على توجيهها لإسرائيل؟ ألا يدل ذلك على نكران الجميل؟ لا ريبَ أن الصامتين يدركون أن بلادنا تتسامح مع من يخطئ في حقها، لكن الوفاء بل المروءة تقتضي أن يكون لهم موقف ما، فتلك الأموال التي يجنونها من بلادنا سنوياً يُضاف لها ما يماثلها من دول الخليج العربي الأخرى، يمكن أن تقيل حكومات، وتغير أنظمة في بعض دول العالم، فلهذا لا يلومنا من كتب محتجاً على غضبنا من صمت البنانيين المستفيدين من ثرواتنا. بل نحن من يحق له الغضب للنكران وعدم الاعتراف بالجميل. إن لم يكن بداعي حفظ الجميل، فبداعي العروبة التي تنال منها أبواق المجوس!

  • (انظر في هذا الصدد بعضاً مما كتبته في هذه الصحيفة: وزير سابق ونائحة مستأجرة، حسن نصر اللات ودوره التدميري في بلاد العرب السنة، رئيس حزب اللات قاتل السنّة، (الطائفة السنيّة) منتجٌ صفوي!، الشعوبيون الجدد، إذا كان الغرابُ دليلَ قومٍ).