أعتقد جازماً أنّ القطاع الصحي في وطننا قد أولته الحكومة أيدها الله منذ تأسيس هذا الوطن على يد موحد الأرض والإنسان الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه) عناية خاصة واهتماماً لا حدود له، الأمر الذي جعله يشهد نقلات كمية في حجم الميزانيات المخصصة له، فقد بلغت ميزانية هذا القطاع في هذا العام ما يقرب من 160 مليار ريال شملت مشاريع صحية لاستكمال إنشاء وتجهيز مستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية بمناطق المملكة إضافة إلى إنشاء مشاريع مثل مستشفيات جديدة ومختبرات مرجعية لبنوك الدم وكذلك مراكز طبية وعيادات شاملة وتطويراً للمستشفيات الحالية، وهو رقم وطموح يستحق الإشادة بالفعل من قِبل المستفيد من الخدمات الصحية (المواطن والمقيم) يؤكد عناية واهتمام الدولة أيدها الله لهذا القطاع الحيوي المهم في حياة الإنسان.

لكن السؤال الأهم يتمثل في مدى تحقق تطلعات الحكومة من خلال تخصيص هذه المبالغ الضخمة لهذا القطاع الحيوي.. وهل حقق المأمول منه؟

والمتابع لما يُثار بالإعلام المحلي التقليدي أو وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك أحاديث الناس ومن يمر بتجربة الحاجة للقطاع الصحي الحكومي، يعتقد أنّ إدارة هذا القطاع على الرغم من الميزانيات الضخمة المخصصة له وتعاقب الوزراء وكبار المسؤولين من ذوي التأهيل والخبرة والتجربة يوقن أنّ خدمات هذا القطاع لا تزال "تئن" تحت وطأة الخلل التنفيذي، فلا الحكومة راضية عن أداء هذا القطاع ولا المستفيد مقتنع بحجم تلك المبالغ المرصودة وانعكاساتها على ما يُقدم إليه من خدمة، وعلى الرغم من التغيير لقيادات الوزارة إلاّ أنّ هناك خللا ما لا يزال يخيم على هذا الأداء الصحي، ويُشير بشكل كبير إلى كثير من المغالطات في ذلك.. فمن أخطاء طبية قاتلة إلى نقص في الأدوية في بعض المناطق مروراً بإحراق أدوية منتهية الصلاحية لم تتم الاستفادة منها إلى صعوبة الحصول على فرصة للعلاج في عدد من المستشفيات وخاصة التخصصية منها، الأمر الذي قد يجعل المريض يستدين من أجل التمكن من العلاج في مستشفى أهلي وأشياء أخرى يصعب السكوت عنها وتتطلب بإلحاح النظر في معالجاتها.

وفي هذا الخصوص أتذكر سوء خدمات الاتصالات في المملكة وصعوبة الحصول عليها عندما كانت قطاعاً حكومياً بحتاً، وهو ما تغير "مئة بالمئة" عندما تم تخصيص قطاع الاتصالات ثم تطورت الخدمة أكثر وانخفضت تكاليفها وتيسر الحصول عليها.. مثل هذه التجربة المتمثلة في تخصيص القطاع الحكومي تجعلنا نتأمل في دراسة تطبيق هذه الخصخصة على قطاعنا الصحي.

وبعملية حسابية سريعة يمكننا القول بأنّ هذه المبالغ التي ترصد كميزانيات للقطاع الصحي لو تم الاستفادة من نسبة كبيرة منها في تطبيق نظام التأمين الطبي التعاوني للسعوديين غير الحاصلين على التغطية التأمينية الصحية مع تخصيص القطاع الصحي الحكومي، فإنّ النتائج المتوقعة ستكون إيجابية وخادمة للمستفيد من القطاع الصحي، وذلك من خلال التالي:

  • إلغاء وزارة الصحة وتحويلها إلى هيئة صحية تُعنى بالترخيص للقطاع الصحي الخاص ومراقبة جودة الأداء إضافة إلى إدارة وتشغيل المستشفيات التخصصية الكبرى بالوطن.

  • تخصيص كافة المراكز الصحية والمستشفيات من خلال تحويلها لشركة صحية يكتتب المواطن فيها وتساهم الدولة في رأس مالها من خلال الأصول والموجودات الخاصة بوزارة الصحة الحالية.

  • منح الشركة الوطنية الصحية حق الاستفادة من كافة الأراضي المخصصة للمرافق الصحية داخل المخططات السكنية لمدن المملكة وتكليفها بالعمل العاجل على تشييدها وتقديم الخدمة الصحية.

  • إنشاء شركة وطنية للتأمين يساهم المواطن فيها من خلال الاكتتاب وتُشارك الدولة في رأس مالها بحيث تتولى هذه الشركة تقديم تغطيات تأمينية صحية لكافة المواطنين غير المشمولين بتأمين صحي من قِبل جهات أعمالهم.

  • استثناء موظفي القطاعات الحكومية التي تؤمن خدمات صحية لموظفيها من تلك التغطيات التأمينية كالعاملين في القطاع العسكري مثلاً.

أتصور أنّ مثل هذا المقترح سيحقق إيجابيات متعددة يتمثل أبرزها في توفير خدمة صحية أفضل للمواطن مع نمو اقتصادي وخدماتي للقطاع الصحي الخاص والاستفادة من فوائض مخصصات وزارة الصحة لما يمكن أن يساهم في التطوير والتوسع في المستشفيات التخصصية الحكومية في وطننا العزيز إضافة إلى إيجاد أوعية استثمارية جديدة للمواطن.. فهل يمكن دراسة مثل هذا المقترح من قِبل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي ساهم بشكل فاعل في تحقيق التنمية الاقتصادية والمجتمعية في وطننا على الرغم من حداثة إنشائه.. ولعلّ هذا المقترح يُضاف لمقترح سابق نشرته في هذه الزاوية عام 2008م تحت عنوان: "اقتصادياً ولتطوير الخدمة.. هل نلغي وزارة الصحة".. ودمتم.