يطرح الاتفاق النووي الاطاري بين القوى العظمى وإيران اسئلة غاية في الاهمية:
هل يمكن ان تلجأ ايران للخداع؟ وعندئذ هل سيكون في وسع الولايات المتحدة او أي قوة الرد في الوقت المناسب؟ وهل في وسع تلك القوى استخدام القوة العسكرية؟وهل يمكن للاتفاق النهائي ان يبدد المخاوف العالمية حول النوايا الإيرانية؟
الواقع أن المعلومات المفصلة الى حد مدهش التي نشرتها الولايات المتحدة عقب الانفراج الدبلوماسي في سويسرا يوم الخميس تزود الرئيس اوباما بذخيرة غاية في الاهمية في الحرب التى قد يواجهها وهو يسوق الاتفاقية للمتشككين من المشرعين الاميركيين والحلفاء في الشرق الاوسط. هذه اذا تمكن المفاوضون من الوصول الى اتفاق نهائي خلال الاشهر الثلاثة المقبلة.
وكما قال اوباما من البيت الابيض: "عملهم وعملنا لم يكتملا بعد والنجاح غير مضمون". زد الى ذلك ان معايير التوصل الى اتفاق شامل في شهر يونيو المقبل ما تزال تحتوى على ثقوب كبيرة بالنسبة لواشنطن وشركائها في التفاوض.
كما ان حدود ابحاث ايران لتطوير تقنية متقدمة تمكنها من انتاج اسلحة نووية غير واضحة المعالم. وقد لا يتمكن المفتشون من الدخول الى المواقع العسكرية التى تم فيها القيام بالأنشطة النووية من قبل. وما يزال الاميركيون والإيرانيون يتشاكسون حول سرعة تخفيف العقوبات المفروضة على ايران. يضاف الى ذلك أن تأكيد اوباما على أن العقوبات يمكن ان تفرض مجددا تقوضه "عملية فض النزاعات" المنصوص عليها في الاتفاق الاطاري.
غير ان القضية الكبرى هي تلك التي ركز عليها المسؤولون الاميركيون بشدة تتمثل في فترة التوقف التى تحتاج اليها ايران لتطوير سلاح نووي سرا. ويفرض الاتفاق الاطاري منظومة من القيود التى تجعل ايران بحاجة الى ان تواصل العمل لمدة سنة على الاقل لتحقيق هدفها المنشود، بدلا من الشهر او الشهرين المنصوص عليها في الاتفاق.
واورد اوباما ووزير خارجيته جون كيري فترة التوقف الطويلة كدليل على "انهم عقدوا صفقة جيدة" ويقولان: إن فترة العام الواحد تكفي لان تتمكن الولايات المتحدة من رصد الانشطة الايرانية السرية لإنتاج السلاح النووي ومن ثم القيام بالرد عليها.
غير ان هذا المعيار قد يصمد لعقد واحد فقط. ولكن ليس واضحا كيف يمكن منع البرنامج النووي الايراني من انتاج القنبلة النووية خلال السنوات الخمس التى تلي انقضاء السنوات العشر الاولى. ولن تكون هناك اية قيود يمكن التحدث عنها بعد انقضاء السنوات الخمسة عشرة كلها. وهذا ما جعل خصوم ادارة اوباما في الكونغرس ومعهم خصوم ايران في الشرق الوسط يصفون ما تم التوصل اليه في سويسرا بأنه " اتفاق معيب" ، باعتبار انه سيزيل القيود على برنامج ايران النووي ويمكنها من تطوير امكانات تخصيب هائلة ومن ثم تطوير قنابل نووية في غضون أشهر معدودة.
وستخضع هذه المسائل والكثير غيرها الى التقييم من قبل الكونغرس الذي ظل يراقب بفارغ الصبر ما ستؤول اليه المفاوضات طوال 18 شهرا. ويعارض الجمهوريون بالإجماع الجهد الدبلوماسي الذي بذله اوباما بينما انقسم الديمقراطيون حوله الى فريقين، وتفاكر الجانبان حول تدخل الكونغرس من طريقين: الاول ان يصوت المشرعون تصويتا مباشرا- بلا او نعم- على الاتفاق الامر الذي يجعل اوباما مرغما على الاذعان رغم اعتراضه السابق.
أما الطريق الثاني فقد يكون اكثر خطورة ويتمثل في فرض عقوبات جديدة على الاقتصاد الايراني وهو مدخل قد يضع حدا نهائيا للجهود الدبلوماسية من خلال تقويض الصيغة النهائية للاتفاق والتى تقوم على الغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الغرب مقابل قيود صارمة على انتاج الاسلحة النووية.
بيد ان اوباما الآن في وضع افضل مما كان عليه في العام الماضي عندما تجاوزت المفاوضات الموعد النهائي المحدد لها مرتين. وحتى وقتها تمكنت ادارته من وقف الضغوط من قبل الكونغرس.
فالاتفاق الذي تم التوصل إليه هذا الاسبوع سيرغم ايران على خفض نصف العدد الكلي لأجهزة الطرد المركزي التى تعمل على تخصيب اليورانيوم. ولن يكون بوسعها تغذية هذه الاجهزة المدفونة في اعماق الارض لحمايتها من القصف الجوي، بالمواد التى تدخل في صناعة الاسلحة النووية. كما لن يسمح لمحطات انتاج الماء الثقيل بإنتاج البلوتونيوم الذي يدخل في صناعة الاسلحة النووية. زد على ذلك سيزاد عدد المفتشين النوويين.
كل هذا سيدفع قوس النشاط النووي المستمر منذ أمد طويل الى البحث عن مخارج دبلوماسية.
وتلاحظ الادارة الاميركية والمؤيدون الآخرون للاتفاقية ان واشنطن في السنوات التى رفضت فيها عقد محادثات مع طهران، وطالبت ايران بوقف كافة اعمال التخصيب وبتفكيك كل منشآتها النووية، ان الإيرانيين توسعوا في بناء اجهزة الطرد المركزي من بضع عشرات الى 20,000، كما أنشأوا موقعا ثانويا تحت الارض وشرعوا في تخصيب اليورانيوم الى مستويات تقترب من حدود انتاج الاسلحة النووية.
ومنذ نوفمبر 2013، تدير ايران 9,000 منشأة للطرد المركزى ولكن العدد سينخفض الي 6,000. كما لن يقوم الايرانيون بإنتاج اليورانيوم العالي التخصيب بعد الآن بينما سيقومون بتصدير او تحييد مخزونهم من هذه المادة. ويبدو ان الخوف من انتاج قنابل بلوتونيوم قد تبدد، على الاقل في الوقت الحالي.
ويقول الايرانيون انهم لا يسعون لإنتاج اسلحة نووية، وان برنامجهم النووي يسعى لتحقيق اهداف ذات صلة بالطاقة والابحاث والطب. وقال الرئيس حسن روحاني يوم الجمعة ان ايران ستتمسك بما قطعته من وعود.
غير ان اوباما وكبار مستشاريه لا يصدقون الايرانيين في هذا الشأن، ولكنهم يقولون ان الاتفاق يجعل وعود ايران قابلة للتحقق من صدقيتها وأنها اكثر قوة من العقوبات او العمل العسكري لضمان عدم قيام ايران ببناء ترسانة نووية.
ولعل هذا ما دفع كيري الى القول في افتتاحية نشرتها صحيفة بوسطن غلوب يوم الجمعة: لكي نكون واضحين، لا يوجد أي جانب من جوانب هذه الاتفاقية ما هو مبنى على وعود او ثقة. كل عنصر فيها خاضع للبرهان".
المصدر: (أ ب)
التعليقات