ككل الأسوياء في العالم، تلقيت خبر الاعتداءات الإرهابية في باريس بكثير من الضيق والحزن، بل أزيد عن الآخرين بعاطفة محبة خاصة أكنها لفرنسا، نظرا لدراستي هناك وعملي لسنوات في مجتمع "فرنكفوني"، وكونها أحد أهم مراحل الذكرى في ترتيب حياتي.
وحتى يتم الحديث عن القضية من كل جوانبها، فإنه يجب أن أتطرق لعلاقة المسلمين باليهود، وبفرنسا لأسباب استثنائية، غير موجودة في دولة أخرى.. وهي بنظري كالآتي:
أولاً: لا أتوقع بأنه ستكون هناك ردة فعل ضد الإسلام والمسلمين في فرنسا، فنسبة المسلمين تصل 10% من الشعب، ولا يخلو أي بيت فرنسي من صداقة أو زمالة أو معرفة بمسلم؛ لذلك الإسلام لديهم معروف نسبياً أكثر من الأمريكان، الذين يجهلون هذا الدين والحضور الإسلامي، بنسبة أقل من فرنسا كثيراً، وحتى الأحداث الأخيرة أصيب فيها مسلمون أو شاركوا ضد الإرهاب.. ولعلكم تذكرون المسلم الذي اعتدى على مدرسة أطفال يهود في "تلوز"، قتل على يدي شرطي فرنسي مسلم عندما حاول الهرب، ويمكن القول إن العلاقة بين المسلمين واليهود في فرنسا - إلى حد كبير - مثالية؛ لعدة أسباب، أن أغلب اليهود الفرنسيين من أصول مغربية يتشابهون مع المهاجرين المسلمين في ذائقتهم الموسيقية (radio juif) - إذاعة اليهود الباريسية - تسهر في المساء على صوت ليلى مراد وأم كلثوم، وكذلك نفس المائدة حيث وجبة "الكسكس" و"الطاجن" على موائدهم، وحتى أهم الشخصيات اليهودية في فرنسا من أصول عربية مثل "ستراوس كاهان"، مدير صندوق النقد سابقاً، أصله تونسي والمطرب المشهور (مسياس) أصله جزائري، وأحياء سكنهم أيضاً متداخلة مثل شارع (menilmontant) الذي يعج بمسالخ المسلمين ومقاهيهم، ويوجد في قلبه عمارة لليهود ومدرسة، وتجد الحاخامات يمشون بالشارع بين العرب.. والأمثلة على هذا كثيرة.. وشخصياً أتذكر مظاهرة ضد السامية في عام 2009 شارك فيها المسلمون واليهود معاً، بل إن مساحة التسامح كبيرة جداً، هذا وقفت عليه بنفسي قبل سنوات، وأتذكر تحديداً عندما ذهبت (للمراجعة الدراسية فقط) في بيت زميلتي اليهودية راشيل وكانت عمارتهم ممتلئة باليهود، وفي وسط العمارة تفاجأنا بوجود شقة يستخدمها المسلمون كمسجد.. كما أنه لا يوجد حي سكني في باريس إلا وبه حوانيت للمسلمين، هم أصحاب لأهل الحي، وتذكرون جميعاً قصة اليهودي الذي اعتنقت بناته الإسلام وارتدين الحجاب فدافع عن حقهن، ونتج عن هذه القصة الرواية الشهيرة (الحاج إبراهيم وزهور القرآن)، التي نالت رواجاً واسعاً وتحولت إلى فيلم شهير بنفس الاسم.
ثانياً: فرنسا دولة عريقة ليست مثل الولايات المتحدة، لذلك المسلمين واليهود في نظر الفرنسيين هم مهاجرون، بل إن الفرنسيين كانوا يتداولون شتيمة (يهودي قذر) دلالة على النظرة العنصرية تجاه اليهود أكثر من العرب، ولكن الزمان والسلوك الحضاري طوعتا الفرنسيين للتعامل بحضارية أكثر مع المهاجرين، خصوصاً أن اليهود لاحقتهم أفران هتلر في فرنسا، وشاركوا في المقاومة الفرنسية، كما شارك العرب في مقاومة الجيش الفرنسي وهذا فضل لا ينكره الفرنسيون..
أخيراً، أختم المقال - بسبب ضيق المساحة - بالقول بأن علاقة الإسلام بفرنسا واليهود قوية، ولكن أسباباً سياسية واقتصادية غيّرت من ذلك، سأعود إلى تفصيلها في مقال لاحق.
1
محمد بن دهيم بن فاهد
2015-01-15 04:34:13يسلم لسانك اخوي مازن والف شكر على تدفق هذه الذكريات...والتي اعتبرها وثائق في عرض صفحة من التاريخ والنظر للموضوع بحيادية وموضوعية وهذا ليس بغريب على شخص يحمل منطقك..
2
عبدالله
2015-01-15 00:12:07وش أخبار المراجعه اللي في بيت زميلتك اليهودية عساكم عديتوا !!
3
عبدالله 155
2015-01-14 23:14:27{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}..
مليون ونصف شهيد جزائري يؤكدون حقيقة التسامح الذي ذكرت
4
محمد
2015-01-14 22:05:23كلام في غاية الجمال والروعه ولكن يا عزيزي نحن مع الاسف الشديد أصبحنا بعيدين جدا عن التسامح والتعايش وبعيدين عن التحاور الأخوي واصبحنا اذا لم تكن على رأي فأنت عدوي حتي بين علمائنا وما حصل مع فضيلة الشيخ الدكتور / أحمد الغامدي أكبر دليل على التطرف والتشدد والغلو بالدين.
5
طلال123456
2015-01-14 20:45:30اجمل ما قرأت...ليت الكاتب كونه انغمس بالثقافة الفرنسية ايشرح بمقال اخر عن الثقافة الباريسية والعقل الفرنسي
6
طلال123456
2015-01-14 20:33:13اجمل ما قرأت...ليت الكاتب يشرح بمقال اخر عن الثقافة الباريسية والعقل الفرنسي كونه عاش فيها
7
سامى
2015-01-14 20:33:09عندى موضفين فرنسيين فى الشركه التى اعمل فيها...الفرنسين ناس متعجرفين حسودين وعنصوريين ويعتقدون انهم افضل البشر...من المستحيل ان يكون الفرنسى واضح معك فى التعامل...عكس الامرييكيين
8
سلطان
2015-01-14 18:12:55لست وحدك تعرف فرنسا , الاف السعوديين درسوا في فرنسا وأكثر من نصف مليون سعودي يزور فرنسا سنويا , فرنسا بأختصار هي عار على جبين الانسانية وأكبر بلد عنصري في العالم , والشعب الفرنسي غير لطيف وعنصري ومتغطرس مع الاجانب , عكس الامريكان وبيقية شعوب أوروبا الجميله
9
ابوعبدالله المدينه المنوره
2015-01-14 17:38:49فرنسا شاركت في جميع الحروب التي ضد اخواننا المسلمين في كل مكان ولم تشارك مره واحدة في حرب ضد اليهود والمجازر التي يرتكبونها ضد اخواننا الفلسطينين وليس معنى ذلك انني اؤيد قتل الابرياء الفرنسيين.
10
الواقع
2015-01-14 15:46:05اول من هجر اليهود للقدس العربي هم الفرنسيين لكن صارت وبل
عليهم و تدفق لهم المهاجرين العرب والمسلمين...!!!
11
للحقيقة كلمه
2015-01-14 15:27:53الاسوياء يا استاذ مازن كما ذكرت لا يكونوا مشكله المشكله تكمن بالتطرف والنزعات الشريره وقد ادنا الارهاب باشكاله ولكن الصحيفه الان لم تحترم مواقفنا ومشاركتنا بالتجمع التظاهري عاودت الاساءه للنبي محمد لكنها لاتمثل الشعب الفرنسي الحضاري ولا يمثله نيكولا سار كوزي بتطرفه وشراسته بالقحط العربي
12
القحطاني
2015-01-14 15:03:17كلامك هذا المفروض ننشره في صحف فرنسا
لان كلامك نعتبره شاهد عيان
شكرا" لعدم التحيز ونطق الحق
13
عبدالرحمن
2015-01-14 14:16:19مواقف الحكومات سلبية من الصحيفة، ما قامت به الصحيفة ليس فكرا يواجه بفكر بل هو استهزاء واحتقار لنبي البشرية. تركت المؤسسات والحكومات الإسلامية للإرهابيين الذين يوجهون من قبل أعدائنا ملء الفراغ والتحدث عن الإسلام، وما لم تتخذ هذه الحكومات مواقف حازمة فلن تتوقف الإساءات ومن ثم لن يتوقف الإرهاب المقابل.
14
أبو عبدالعزيز
2015-01-14 14:12:54مثل هذه الإساءات تحقق هدفها اذا وجدت رد فعل مثل ما حصل لسلمان رشدي وغيره ولو لم يكن هناك رد فعل لما عرف عنها أحد والانتصار على هولاء بعدم أحداث رد فعل
15
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الجميعة
2015-01-14 12:58:10مقالة جميلة للغاية أخي الأستاذ مازن..
أشكر جزيل الشكر على هذا الطرح، كوننا نحن في أمس الحاجة إلى أناس متنورين (يسعون إلى تعزيز العلاقات والتسامح بين المسلمين وجميع الديانات والثقافات الأخرى)،
ذلك أن الغلو في الدين يقتل الإعمار والتعايش السلمي في كوكب الأرض، ويحول "الأوادم" إلى كائنات متوحشة..
16
ابو صريح
2015-01-14 12:45:13لاشك ان مافعلته تلك الصحيفة والصحفيين أمر مسيئ ومشين ولكن كان المفروض أن يتعامل المسلمون مع ذلك بروح اسلامية أصيلة تعبر عن التسامح والارتقاء عن سفاسف الامور والمواقف البذيئة التي جسدتها الصحيفة الفرنسية عندما حاولت اهانة رمز اسلامي كبير باسم حرية التعبير !!
17
awlama2007
2015-01-14 12:42:45مقال روعه ومميز
18
نوره40
2015-01-14 12:00:45السلام وبس...
19
فيحان
2015-01-14 07:21:55عرض تحليلي وشرح تفصيلي ممتاز شكرا لك شي طيب وبالله التوفيق.. وبغض النظر عن قلة الجهلة الموجودين في جميع انحاء العالم الذين يخلطون الحابل بالنابل بجهل وبغباء البلطجية.