وليس الحديث هنا عن غسل الميت وأحكامه، ولكن لا أدري لماذا أُلحقت مغاسل الأموات بالمساجد، والأصل الذي يتمشى مع قواعد التيسير أن تكون في المستشفيات، أو قريباً منها، أو عند المقابر أو قريباً منها. لكنها عادة انتشرت مع الأيام، كما انتشر أن الصلاة على الميت لا تكون إلا بعد فريضة، وكذلك ليس مقصودي أن أناقش هذا فله مجال آخر
لا ريب أن تغيير ما اعتاد الناس عليه يُعد أمراً صعبًا في عرف المريدين التغيير، وربما فاق في صعوبته نقل الجبال من أماكنها، لكنه غير مستحيل، وما أرسل الله تعالى الرسل عليهم الصلاة والسلام إلا لتغيير ما اعتاده الناس من الشرك والعادات القبيحة، ومن ثم التأكيد على محاسن الأخلاق وإتمام مكارمها، ولو كان هناك شيء يستحيل تغييره لما أرسلت الرسل وأنزلت الكتب.
إذن، مهما كان الأمر فبقدر المحاولة والعزيمة يكون التغيير؛ لأن غاية ما في الأمر هي عادات، وإنما تنشأ العادة من استحسان عظيم قوم لشيء أو سنّه لهم، كما فعل عمرو بن لحي حين استجلب الأصنام من الشام، وسن عبادتها في مكة، فكانت فكرة في أصلها، لكنها استفحلت حتى كلفت كثيرًا لإزالتها، ومع ذلك كله لا زالت رواسبها عالقة في كثير من الأذهان.
ولو ضربت مثالاً لما استُحدث من العادات لطال بنا المقام، ولكن لا بأس من التمثيل ولو بمثال واحد، مما يناسب المقام، فإن الناس قبل سنوات، وما زال هذا في بعض مناطق المملكة المحروسة، كانوا يقيمون الأفراح بمناسبة الزواج مبكراً، فلا تأتي صلاة العشاء إلا وقد انتهت مراسمه، وزفت العروس إلى زوجها، ثم ابتدأ الناس في التأخير شيئاً فشيئاً حتى استمر وقت الحفل إلى ما بعد شروق الشمس وتناول الإفطار. وتنافس الناس في حفلات الزواج تنافساً مقيتاً، حتى كلفت بعض حفلاته الملايين واستجلب له المطربون والمطربات بمبالغ خيالية قد تكفل معيشة أقوام لأعوام، وتنافست النساء في لباسهن، وبلغ التنافس حداً وصل إلى وجاهة المدعوين، ومكان حفل الزواج، ففازت بالصدارة الفنادق، والصالات الفارهة. ومعلوم، شرعاً وعقلاً، أن هذا يناقض تحصيل المصالح التي تأمر بها الفطرة فضلاً عن الشرع، وأنه تنافس في الدنيا قد أهلك من قبلنا، أفلا نخشى أن يجر إلينا الهلاك كما هلكوا، بل إن أمارات الهلاك ملحوظة في الحياة الزوجية التي تعقب تلك "الهيصات والبذخ" فتحمل الأزواج الديون الطائلة، وكذلك الآباء، ثم يجدون غِبَّها وبؤسها عقب سنين وأيام بعد ساعة فرح كان بالإمكان أن تمضي بأقل كلفة!
وكنت قد زرت بعض دول الإسلام، وسررت بما رأيت من ملحقات للمساجد العظيمة المميزة عندهم، فمنها صالات الأفراح، والاجتماعات، وهذه من المصالح المرسلة التي يستحسنها العقل، وتوجب على العقلاء والعلماء وذوي الشأن مناقشتها، ولكن مشكلة مجتمعاتنا أنهم يرون العادة الحسنة ثم لا يسعون للاعتياد عليها، وكثيراً ما حاربوا من يحاول التجديد بها، بل بعض الناس يفعل الخطأ ويحاكمك عليه، ويجعله نصاً في التقاضي وكأنه قد قضي الأمر ولا مجال للنقاش والإصلاح، مع أن الصحابة كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن كان ما اقترحه وحياً لا يحق لهم مناقشته أم هو رأيه هو، فيمكنهم أن يدلوا بدلوهم فيه! لهذا قارنت بين ما رأيت وبين مساجدنا التي تعمر وأكبر همِّ من يريد عمرانها أن يجد مساحة واسعة ليلحق به مغسلة للأموات.
وليس الحديث هنا عن غسل الميت وأحكامه، ولكن لا أدري لماذا أُلحقت مغاسل الأموات بالمساجد، والأصل الذي يتمشى مع قواعد التيسير أن تكون في المستشفيات، أو قريباً منها، أو عند المقابر أو قريباً منها. لكنها عادة انتشرت مع الأيام، كما انتشر أن الصلاة على الميت لا تكون إلا بعد فريضة، وكذلك ليس مقصودي أن أناقش هذا فله مجال آخر، لكن الشيء بالشيء يُذكر.. فصالة الأفراح التي تلحق بالمسجد، لا ريب أنها ستكون ميسرة للناس، وستلغي ما يتفاخرون به، وستقلل من تفاخرهم بالطرب الذي يحرمونه ويتسابقون إليه، وذلك لأن الناس بفطرهم يعظمون المساجد فلا يتعدون فعل المباح فيها. وأنت عزيزي القارئ لا تقرأ مجرد مقالٍ تمر عليه مرور الكرام، كما أني لم أكتبه إلا لتشاركني رأيك، وتدلي بدلوك، في ترشيد المجتمع إلى ما هو أحسن.
إن في ديننا فسحة تمكننا أن نفرح، فالفرح في الإسلام رائع ينشرح به الصدر وتسر به العين ويحفظ به العرض والمال، في الإسلام كرم وليس في الإسلام تبذير ، في الإسلام تذكير وليس فيه تبتل وانقطاع، فنحن سنقف وسطًا في الفرح بين طائفتين، طائفة انقلبت فطرتها وأخذوا في تحريم كل ما له صلة بالفرح المباح، حتى أشبهت أفراحهم مجالس
العزاء، وإن ارتسمت البسمة على شفاههم فهي مجرد تصنّع ليضفوا الشرعية على انتكاسة فطرهم فلا تسمع في فرحهم ما يدل على الفرح، لا شعراً يطرب، ولا صوتاً يُعجِب. وطائفة توسعت فلم تراعَ آداب الزفاف في الإسلام فأخذوا في المنافسة والتبذير واللهو المحرم، حتى يظن من يراهم أنهم في بلد غير بلاد المسلمين، فلا تسمع منهم تسبيحاً ولا
تكبيراً ولا حمداً وكأنهم من الذكر قد منعوا، وهم لا يدرون أن الفرح يُذكر بالفرح"فبذلك فليفرحوا" والنعمة تذكر بالنعمة، والطيبُ يذكر بأطيب الخلق كما قيل:
يقولونَ عندَ الطيبِ تَذكرُ أَحمدا
فَهل عِندَكُم مِن سُنّةٍ فيهِ تُؤثَرُ
فَقلتُ لَهُم لا إِنّما الطّيبُ أَحمَد
فَأذكرُهُ وَالشيءُ بِالشَّيءِ يُذكَرُ
1
أبوعبدالرحمن
2014-12-16 16:54:24طائفة انقلبت فطرتها وأخذوا في تحريم كل ما له صلة بالفرح المباح، حتى أشبهت أفراحهم مجالس
العزاء، وإن ارتسمت البسمة على شفاههم فهي مجرد تصنّع ليضفوا الشرعية على انتكاسة فطرهم
هل من لايرى رأيك في الأفراح يسمى منتكس فطرة ؟؟
مناقشة الأراء تكون بأسلوب راق واحترام لرأي الآخر
2
Fahad
2014-12-15 13:09:26ودي أكون متفائل و أقول لعل الناس يكونون أكثر عقلانية مستقبلا
و العشم الوحيد هو فينا كشباب
لازم الجيل الناشئ يكون واعي إنه هالشيء خطأ
و إن حب المظاهر لا يعني شيء و العبرة في الجوهر
و أن ديننا دين يسر و وسطي و بسيط
و التواضع فيه هو الصفة الأسمى
و على قولتهم
كل ما هان تبارك...
و شكرًا
3
فيحان
2014-12-15 05:14:04مقال جميل شكرا لفضيلتكم شي طيب وبالتوفيق.
4
AMEN
2014-12-15 00:10:01مقال مبدع
جزاكم الله خير
5
abhaddad
2014-12-15 00:04:11مقال جيد ولكن اعغطيني الرد من الشرع الكريم ويكون واضحا للجميع ياشيخ عادل
6
ابو ناصر
2014-12-14 23:38:21نتائج صحوة الفلس خلال 30سنه حولت المجتمع الى غثاء وحياته كلها بلاء حتى انقلبت الموازين والسنن وابتدعت البدع واصح مجتمع مشلول وممسوخ متناقض
ليتنا نعود 35سنه لنعود للاساس والبساطه والفرح وعصر المباح
7
عيد بن مزلوه الروضان السرحاني
2014-12-14 21:55:23بسم الله،الى الشيخ الكاتب/عادل الكلباني. وفقه الله
سعدت بقراءة مقالكم " المسجد" في الرياض 22صفر1436ه. كما اجتهدت بالفحص قبل الزواج من 15 سنه 26 فحصا واقتراح مكاتب اجتماعيه للزواج (خدمه مدفوعة مقدما-غير ربحية /رمزية) ودرست موضوع مكاتب زواج في ملحق المسجد تحت إشراف امام المسجد (خيريه ومجانية) أراها
8
أبو ريان 2010
2014-12-14 18:29:14(الطرب الذي يحرمونه ويتسابقون إليه) :) صدقت يا شيخنا
9
أم رنا
2014-12-14 17:26:17السلام/ كلام في قمة الأهمية وطرح منطقي لحل المشاكل
10
محمد الحسين
2014-12-14 16:10:46جزاك الله خيرا على فكرك المستنير وطرح هذه الفكرة الرائعة..
...
أقول:
بإنشاء صالة افراح ملحقة بالمسجد وريعها وقفا عليه نكون قد امنا موردا ماليا مستمرا للمسجد، وتكون هذه الصالة ميسرة بأجرة معتدلة قليلة، ويكون المستأجر قد قدم دعما للمسجد باستئجار تلك الصالة. وهذا والله من مقاصد الشريعة.
...
بارك الله فيك.
11
أبو عبدالعزيز
2014-12-14 15:10:04ولسبب ذلك اد? ال? نسبة عالية من الطلاق لأن نسبة من المدعويين يطالعون ساعاتهم ويدعون الله لايوفقهم اخرونا والصباح البنت مطلقة
12
ابراهيم الحربي
2014-12-14 12:18:53ثبت ان التكاليف الباهضة لحفل الزواج تجعل الزوج أسيرآ للديون بقية حياته فبدلآ من أن يفكر بشراء سيارة أو منزل وأثاث يفكر في تسديد ذاك الشخص أو تلك الجهة هو أكبر أسباب تزايد نسبة الطلاق لانها تجعل الزوج يضيف ساعات إضافية لعمله ليزيد الدخل وبقية اليوم يكون مجهدا فلا يتفرغ لشئون الزوجه.
13
عبدالرحمن
2014-12-14 11:10:58جزاك الله خيرا يا شيخ، لعل التيسير على الناس هو الدافع أما أن تكون صالة إقامة الأفراح ملحقة بالمسجد فذلك انقلاب ليته يتحقق، لكن هذه الحفلات معظمها تدبير نسائي. أما وقت الصلاة على الميت فلعله مظنة لكثرة المصلين وضبط وقت الصلاة على الميت.
14
عبد الحق
2014-12-14 09:48:55المصيبة ليس في
تغسيل الموتى او الصلاة عليهم
بل المصيبة من يغسل ذنوب الموتى
اذا الرسل لا يحق لهم الاستغفار
الا بعد اذن الله عز وجل ويرضى
وهذا في زمن الرسل
وانا الى الله راجعون
ويعرف من اقرب
من حبل الوريد
وكلن يغسل
ذنوبة قبل
يغسل
ولا شفيع
منا للظالم يطاع
15
معمعه
2014-12-14 07:34:24مقال جدير بالإحترام.
16
Abu Nawaf Abu Nawaf
2014-12-14 07:25:31لماذا لا نكون كذلك. انا في احد احياء الرياض فيه مدرسة كبيره في المساء مؤصدة كأنها سجن بأسوار شاهقة لا تتفاعل مع الحي بشئ. وليس ببعيد يوجد حديقة منفذة بطريقة ركيكة ومهمله لا يجد فيها ملاعب للشباب الحي فقط ارجوحات أطفال تستغل من بعض المقيمين في نهاية الأسبوع للشوي والشيشة ويفلتون بها اطفالهم. ووو
17
Abu Nawaf Abu Nawaf
2014-12-14 07:06:27مقال في الصميم أتمنى على الشيخ الفاضل ان يستطرد في تفصيل الموضوع وفروعه وإلا يمر مرور عليه مرور الكرام. في أمريكا كل حي او حارة يوجد مدرسة حكومية وهي تبنى على تصميم موحد ونمط معين ومفيد ويتبع لها صالة رياضية مغلقة بها ملاعب ومسرح ومسابح ووو وحول المدرسة ملاعب خارجية في الأفنية قدم وبيسبول ووو يتبع